للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ يَعلَمُها ويُريدُها؛ لأنَّ هذهِ المَعرِفةَ والإرادةَ غَيرُ مُعتبَرةٍ؛ لعَدمِ حُصولِها عَنْ إدراكٍ صَحيحٍ، كما لا تُعتبَرُ مِنَ الصَّبيِّ العاقِلِ، نعَمْ يُشكِلُ عَليهِ ما سَيأتي في التَّعليقِ عَنْ «البَحر»، وصرَّحَ بهِ في «الفَتح» و «الخانيَّة» وغَيرِهِما، وهو: لَو طلَّقَ فشَهِدَ عِندَهُ اثنانِ «أنَّكَ استَثنَيتَ» وهوَ غَيرُ ذاكِرٍ؛ إنْ كانَ بحَيثُ إذا غَضِبَ لا يَدري ما يَقولُ وَسِعَه الأخذُ بشهادَتِهما، وإلَّا لا. اه.

مُقتَضاهُ أنَّهُ إذا كانَ لا يَدري ما يَقولُ يَقعُ طَلاقُهُ، وإلَّا فلا حاجَةَ إلى الأخذِ بقَولِهِما «إنَّكَ استَثنَيتَ»، وهذا مُشكِلٌ جِدًّا، إلَّا أنْ يُجابَ بأنَّ المُرادَ بكَونِه لا يَدري ما يَقولُ أنَّهُ لقَوَّةِ غَضبِه قدْ يَنْسَى ما يَقوُل ولا يَتذكَّرُهُ بعْدُ، وليسَ المُرادُ أنَّهُ صارَ يَجري على لِسانِهِ ما لا يَفهمُهُ أو لا يَقصدُهُ، إذْ لا شَكَّ أنَّه حِينئذٍ يَكونُ في أَعلَى مَراتِبِ الجُنونِ، ويُؤيدُه هذا الحَملُ أنَّه في هذا الفَرعِ عالِمٌ بأنَّه طلَّقَ وهو قاصِدٌ لهُ، لكنَّهُ لم يَتذكَّرِ الاستِثناءَ لشدَّةِ غَضَبهِ، هذا ما ظهَرَ لي في تَحريرِ هذا المَقامِ، واللهُ أعلَم بحَقيقةِ المَرامِ.

ثُمَّ رَأيتُ ما يُؤيِّدُ ذلكَ الجَوابَ، وهو أنَّهُ قالَ في «الوَلوالِجيَّة»: إنْ كانَ بحالٍ لو غَضِبَ يَجرِي على لسانِه ما لا يَحفظُهُ بعْدَهُ جازَ لهُ الاعتِمادُ على قَولِ الشاهدَينِ، فقَولُه (لا يَحفَظُه بعْدَهُ) صَريحٌ فيما قُلنا، واللهُ أعلَمُ (١).

وذهَبَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ الحَنبليُّ في رِسالَتِه الماتِعةِ «إغاثَة اللَّهفَانِ في حُكمِ طلاقِ الغَضبانِ» -وهو مَا يُشيرُ إليهِ كلامُ ابنِ عابدينَ المُتقدِّمِ- إلى


(١) «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>