للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلمَّا قالَ رَسولُ اللهِ : «ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزلُهنَّ جِدٌّ»، فمنَعَ النِّكاحَ مِنَ البُطلانِ بعْدَ وُقوعِه، وكذلكَ الطَّلاقُ والمُراجَعةُ، ولم نَرَ البُيوعَ على ذلكَ المَعنَى، بل حُمِلَتْ ضِدَّهُ، فجُعِلَ مَنْ باعَ لاعبًا كانَ بَيعُهُ باطلًا، وكذلكَ مَنْ أجَّرَ لاعبًا كانَتْ إجارَتُه باطِلةً، فلمْ يكنْ ذلكَ إلَّا لأنَّ البُيوعَ والإجاراتِ ممَّا يُنقَضُ بالأسبابِ الَّتي ذكَرْنا، فنُقِضَتْ بالهَزلِ كما نُقضَتْ بذلكَ، وكانَتِ الأشياءُ الأُخَرُ مِنْ الطَّلاقِ والعِتاقِ والرَّجعةِ لا يَبطلُ بشيءٍ مِنْ ذلكَ، فجُعِلَتْ غَيرَ مَردودِةٍ بالهَزلِ، فكذلكَ أيضًا في النَّظرِ ما كانَ يُنقَضُ بالأسبابِ الَّتي ذكَرْنا نُقِضَ بالإكراهِ، وما كانَ لا يُنقَضُ بتلكَ الأسبابِ لم يُنقَضْ بالإكراهِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالكيَّةُ والشَّافعيةُ والحنابِلةُ إلى أنَّ طلاقَ المُكرَهِ لا يَقعُ، فمَن أُكرِهَ على طلاقِ زَوجتِه مِنْ سُلطانٍ أو غَيرِه فطلَّقَها فلا يَلزمُه ما أوقَعَ، وهي زَوجتُه.

واستَدلُّوا على ذلكَ بقَولِ اللهِ ﷿: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦]، فنَفَى الكُفرَ باللِّسانِ إذا كانَ القَلبُ مُطمئنًّا بالإيمانِ، فكذلكَ الطَّلاقُ إذا لَم يُرِدْه بقَلبِه ولَم يَنوِه ولم يَقصِدْه لم يَلزمْه.


(١) «شرح معاني الآثار» (٣/ ٩٥، ٩٩)، و «أحكام القرآن» (٥/ ١٤، ١٧)، و «التجريد» للقدوري (١٠/ ٤٩١٣، ٤٩٣٠)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٠٠)، و (٧/ ١٨٢)، و «شرح مختصر الطحاوي» (٥/ ٥، ١٥)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٤٢٩، ٤٣٠)، و «المبسوط» (٢٤/ ٤٠، ٤١)، و «الاختيار» (٣/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>