للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ للكُفرِ أحكامًا، فلمَّا وضَعَها اللهُ تعالَى عنهُ سَقطَتْ أحكامُ الإكراهِ عنِ القَولِ كُلِّه؛ لأنَّ الأعظَمَ إذا سقَطَ عنِ النَّاسِ سقَطَ ما هوَ أصغرُ منه.

وعنِ ابنِ عبَّاسٍ وأبي هُريرةَ وأبي ذَرِّ الغِفاريِّ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «إنَّ اللَّهَ وضَعَ عن أمَّتِي الخَطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهُوا عليهِ»، وفي رِوايةٍ: «تَجاوزَ» (١). فاقتَضَى أنْ يكونَ طَلاقُ المُكرَهِ مَرفوعًا.

فإنْ قيلَ: فالاستِكراهُ لم يُرفَعْ لأنَّهُ قد يُوجَدُ.

قيلَ: المُرادُ بهِ حُكمُ الاستِكراهِ لا الاستِكراهُ، كما أنَّ المُرادَ بهِ حُكمُ الخَطأِ لا وُجودُ الخطأِ.

فإنْ قيلَ: فهو مَحمُولٌ على رَفعِ الإثمِ.

قيلَ: حَملُه على رَفعِ الحُكمِ أَولَى؛ لأنَّه أعَمُّ؛ لأنَّ ما رفَعَ الحُكمَ قد رفَعَ الإثمَ، ورَوتْ عائِشةُ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ» (٢). قالَ أبو عُبَيدٍ: الإغلاقُ كالإكراهِ، يَعني أنَّه كالمُغلَقِ عليهِ اختِيارُه، وقالَ أبو بكرٍ: سَألتُ ابنَ دُرَيدٍ وأبا طاهِرٍ النَّحْويَّينِ فقالا: يُريدُ الإكراهَ؛ لأنَّه إذا أُكرِهَ انغَلقَ عليهِ رَأيُه.

فإنْ قيلَ: المُرادُ بهِ الجُنونُ؛ لأنَّه مُعلَّقُ الإرادةِ، ففيهِ جَوابانِ: أحدُهما: أنَّ أهلَ اللُّغةِ أَقْوَمُ بمَعانيها مِنْ غَيرِهم، فكانَ حَمْلُه على ما قَرَّرهُ أَولَى، والثَّاني: أنَّه يُحمَلُ على الأمرَينِ، فيكونُ أعمَّ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه ابن ماجه (٢٠٤٣، ٢٠٤٥).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٢١٩٣)، وابن ماجه (٢٠٤٦)، وأحمد (٢٦٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>