والطَّلاقُ والرَّجعةُ»، فسَوَّى النَّبيُّ ﷺ فيهنَّ بيْنَ الجادِّ والهازِلِ، ولأنَّ الفَرقَ بيْنَ الجِدِّ والهَزلِ أنَّ الجادَّ قاصِدٌ إلى اللَّفظِ وإلى إيقاعِ حُكمِه، والهازِلَ قاصِدٌ إلى اللَّفظِ غَيرُ مُريدٍ لإيقاعِ حُكمِه، عَلمْنا أنَّه لا حظَّ للإرادةِ في نَفيِ الطَّلاقِ، وأنَّهُما جَميعًا مِنْ حَيثُ كانا قاصِدَينِ للقَولِ أنْ يَثبُتَ حُكمُه عليهِما، وكذلكَ المُكرَهُ قاصِدٌ للقَولِ غَيرُ مُريدٍ لإيقاعِ حُكمِه، فهو كالهازِلِ سواءٌ.
فإنْ قيلَ: الهازِلُ قصَدَ اللَّفظَ ولم يَقصدِ الوَقْعَ، والمُكرَهُ لَم يَقصدِ اللَّفظَ فهوَ كالنَّائِمِ.
قُلنا: المُكرَهُ قاصِدٌ إلى اللَّفظِ ليَدفَعَ عن نَفْسِه أعظَمَ الضَّررَينِ بأيسَرِهما، ألَا تَرَى أنَّه لو قيلَ له: «لِمَ طلَّقْتَ؟ لَقالَ: اختَرتُ الطَّلاقَ على ذَهابِ نَفسِي»، ولأنَّه مَعنًى يَنفي الرِّضا بزَوالِ المِلكِ، فلم يَمتنِعْ وُقوعُ الطَّلاقِ معَ صحَّةِ القولِ، كشَرطِ الخيارِ.
ولأنَّه مَعنًى مِنْ جهَةِ الأجنبيِّ يُزيلُ الاختيارَ، فلَم يَمنَعْ وُقوعَ الطَّلاقِ كالغَضبِ، ولأنَّه لو عيَّنَ الَّتي أُكرِهَ على طَلاقِها طَلُقَتْ، وكلُّ مَنْ وَقعَ طلاقُه على إحدَى نِسائِه وقَعَ على سائِرِ نِسائِه كغَيرِ المُكرَهِ، ولأنَّه أرسَلَ الطَّلاقَ على زَوجتِهِ وهو أهلُ الطَّلاقِ، فوجَبَ أنْ يَقعَ منهُ كالهازِلِ.
ولأنَّ المُكرَهُ مُكلَّفٌ، بدَلالةِ أنَّه لا يَجوزُ عَليهِ أنْ يَقتُلَ ويَزني وإنْ أُكرِهَ على ذلكَ، ومُباحٌ لهُ أنْ يُظهِرَ كَلمةَ الكُفرِ، وواجِبٌ عليهِ أنْ يَشربَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute