للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصَّةً؛ لأنَّ القَومَ كانوا حَدِيثِي عَهدٍ بكُفرٍ في دارٍ كانَتْ دارَ كُفرٍ، فكانَ المُشرِكونَ إذا قَدَرُوا عَليهِم استَكرَهوهُم على الإقرارِ بالكُفرِ، فيُقرُّونَ بذلكَ بألسنَتِهم، قد فَعلُوا ذلكَ بعمَّارِ بنِ ياسِرٍ وبغَيرِهِ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ ورَضِيَ عَنهُم، فنَزلَتْ فيهم ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾، وربُّما سَهَوْا فتكلَّمُوا بما جَرَتْ عليهِ عادَتُهم قبْلَ الإسلامِ، ورُبَّما أخطَؤُوا فتكلَّمُوا بذلكَ أيضًا، فتَجاوزَ اللهُ ﷿ لهُمْ عَنْ ذلكَ؛ لأنَّهُم غَيرُ مُختارِينَ لذلكَ ولا قاصِدينَ إليه.

وهذا أَولَى ما فُعِلَ في الآثارِ إذا وُقِفَ على معاني بَعضِها، أنْ يُحمَلَ ما بَقِيَ مِنها على ما لا يُخالِفُ ذلكَ المَعنَى متَى ما قُدِرَ على ذلكَ، حتَّى لا تَضادَّ، فثبَتَ بما ذكَرْنا أنَّ حَديثَ ابنِ عبَّاسٍ في الشَّركِ، وحَديثَ حُذيفةَ في الطَّلاقِ والأيمانِ وما أشبَهَ ذلكَ.

ولِمَا رَواهُ صَفوانُ بنُ عِمرانَ الطَّائيِّ، أنَّ رَجُلًا كانَ نائِمًا معَ امرأتِه، فقامَتْ فأخَذَتْ سكِّينًا فجَلسَتْ على صَدرِه، ووَضعَتِ السِّكِّينَ على حَلقِه وقالَتْ: لَتُطلِّقنِّي ثلاثًا البتَّةَ وإلَّا ذَبحتُكَ، فناشدَها اللَّهَ، فأبَتْ عليهِ، فطَلَّقَها ثلاثًا، فذُكِرَ ذلكَ لرَسولِ اللَّهِ فقالَ: «لا قَيلولةَ في الطَّلاقِ» (١). أي لا رُجوعَ فيهِ، فدَلَّ على وُقوعِه مع الإكراهِ.

ولأنَّ النَّبيَّ قالَ: «ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزلُهنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ


(١) ضَعيفٌ مُرسَلٌ: رواه سَعيدُ بنُ مَنصُورٍ في «سننه» مُرسَلًا (١١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>