للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفعالِ عِبادِه مِثلَه بهِ، وأنَّهُ لا يَجبُ عليهِ قَضاءُ الصَّلاةِ قائِمًا وإنْ عادَ إلى القُدرةِ على ذلكَ، وفيما ذكَرْنا دَليلٌ على أنَّ طلاقَ السَّكرانِ وسائرَ أقوالِه وسائِرَ أفعالِه يَعودُ إلى أحكامِ أقوالِ ذاهبِي العُقولِ سِواهُ، وإلى أحكامِ أفعالِ ذاهِبِي العُقولِ سِواهُ، وهذا خِلافُ ما كانَ أبو حَنيفةَ وأصحابُهُ والشَّافعيُّ يقولونَهُ فيهِ، وخِلافُ ما كانَ مالكٌ يَقولُه فيهِ، مِنْ إجازَتِهم طَلاقَه، غَيرَ أنَّ مالِكًا قالَ: (لو عَلمْتُ أنَّهُ لم يكنْ يَعقِلُ ما أَجزْتُ طَلاقَه)، فكأنَّه أعذَرُ مِنْ غَيرِه في ذلكَ، لا أنَّهُ قد كانَ يَلزمُه أنْ لا يُطلِّقَ بالشَّكِّ حتَّى يَعلمَ باليَقينِ وُجوبَ الطَّلاقِ؛ لأنَّ ما عُلِمَ يَقينًا لم يَرتفِعْ إلَّا بما يُزيلُه يَقينًا، كذلكَ فَرائِضُ اللهِ ﷿ على عِبادِه في صَلَواتِهم، وفيما سِواها مِنْ عِباداتِهم، وما رَأيْنا فَقيهًا مِمَّنْ يُنسَبُ إليهِ النَّظرُ مِنْ أهلِ الفِرَقِ إلَّا على ما ذكَرْناه، وهو القولُ عِندَنا الَّذي لا يَجوزُ خِلافُه، ولا يسَعُ ذا فَهمٍ أنْ يَتقلَّدَ غَيرَه، واللهَ نَسألُه التَّوفيقَ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : طلاقُ زائِلِ العَقلِ.

المَخرجُ الأوَّلُ: أنْ يكونَ المُطلِّقُ أو الحالِفُ زائِلَ العَقلِ، إمَّا بجُنونٍ أو إغماءٍ أو شُربِ دَواءٍ أو شُربِ مُسكِرٍ يُعذَرُ بهِ أو لا يُعذَرُ أو وَسوسةٌ، وهذا المُخلِّصُ مُجمَعٌ عَليهِ بيْنَ الأمَّةِ، إلَّا في شُربِ مُسكِرٍ لا يُعذَرُ بهِ؛ فإنَّ المُتأخِّرينَ مِنْ الفُقهاءِ اختَلفُوا فيهِ، والثَّابتُ عنِ الصَّحابةِ الَّذي لا يُعلَمُ فيهِ خِلافٌ بَينَهم أنَّه لا يَقعُ طَلاقُه.


(١) «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ٢٤٦، ٢٤٧)، ويُنظَر المَصادِر السَّابقَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>