وقالَ في «شَرح مُشكَلِ الآثَارِ»: فقالَ قائلٌ: إنَّ السَّكرانَ وإنْ كانَ قَدْ ذهَبَ عَقلُه بسُكرِه فهو الَّذيِ أَدخَلَ السُّكرَ على نَفسِه بفِعلِه، فلمْ يكنْ إذْ كانَ كذلكَ كالمَجنونِ الَّذي دَخلَ عليهِ الجُنونُ مِنْ غَيرِ فِعلِه.
فكانَ جَوابُنا لهُ في ذلكَ بتَوفيقِ اللهِ ﷿ وعَونِه أنَّا رَأَينا المَجنونَ لا تَختلِفُ أحكامُه في حالِ جُنونِه باختِلافِ أسبابِ جُنونِه في أنْ يكونَ بأفعالِه، وفي أخْذِه أشياءَ كانَتْ أسبابًا لذَهابِ عَقلِه، وفي حُدوثِ الجُنونِ بهِ ممَّا لا سَببَ لهُ فيهِ في لُزومِ أحكامِ المَجانينَ إيَّاه في سُقوطِ الفُروضِ عَنهُم، وفي ارتِفاعِ العَمدِ عَنهم في جناياتِهم في القتلِ، حتَّى لا يكون عَليهم فيهِ قَوَدٌ، وحتَّى يكون دِيَاتُ مَنْ قتَلَوا على عَواقِلِهم، ولمَّا كانَ ذلكَ كذلكَ وكانَ المُراعَى في ذَهابِ عُقولِ الأصحَّاءِ ذَهابُ عُقولِهم لا الأسبابُ الَّتي كانَتْ أسبابًا لذَهابِ عُقولِهم كانَ كذلكَ السَّكرانُ، يكونُ عليهِ ذَهابُ عَقلِه لا السَّببُ الَّذي كانَ بهِ ذهَبَ عَقلُه، فيكونُ بذَهابِ عَقلِه لهُ حُكمُ مَنْ لا عقْلَ لهُ، ولا يُراعَى في ذلكَ اختِلافُ أسبابِ ذَهابِ عَقْلِه، ومِثلُ ذلكَ أيضًا ما قَدْ أُجمِعَ عَليهِ في الصَّحيحِ المُطيقِ للصَّلاةِ قائِمًا الَّذي فرَضَ اللهُ ﷿ عليهِ أنْ يُصلِّيَها كذلكَ لو كسرَ رِجلهُ حتَّى عادَ عاجِزًا عنِ القِيامِ للصَّلاةِ وأنْ يُصلِّيَها كذلكَ أنَّ فرْضَهُ أنْ يُصلِّيَها قاعِدًا على ما يُطيقُ صَلاتَها عليهِ، وأنَّ ذلكَ ممَّا يكونُ حُكمُه فيهِ في العَجزِ عنِ القيامِ وصَلاتِه، كذلكَ في حُكمِ العَجزِ عنِ القيامِ بما يَحلُّ بهِ ممَّا يُعيدُه إلى تلكَ الحالِ مِنْ أفعالِ اللهِ جلَّ وعزَّ بهِ، ثمَّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute