للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّماءِ، ولا الرَّجلَ مِنَ المَرأةِ، فلا اختِلافَ في أنَّه كالمَجنونِ في جَميعِ أفعالِهِ وأحوالِهِ فيما بيْنَه وبيْنَ النَّاسِ، وفيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى أيضًا، إلَّا فيما ذهَبَ وَقتُه مِنَ الصَّلواتِ (١).

وذهَبَ الإمامُ أبو جَعفرٍ الطَّحاويُّ والكَرخي مِنَ الحنفيَّةِ والمالكيَّةُ في رِوايةٍ شاذَّةٍ والمُزَنِيُّ وأبو ثَورٍ مِنَ الشافِعيةِ والحَنابلةُ في رِوايةٍ، ورُوِيَ ذلكَ عَنْ عُثمانَ بنِ عفَّانَ -وصَحَّ عنهُ- وابنِ عبَّاسٍ، وعَن عَطاءٍ وطاووسٍ والقاسِمِ ورَبيعةَ، وهوَ قولُ اللَّيثِ وإسحاقَ إلى أنَّ طلاقَ السَّكرانِ لا يَقعُ؛ لأنَّه مَفقودُ الإرادةِ فلَم يَقعْ طلاقُه كالمُكرَهِ؛ لأنَّ المُكرَهَ لمَّا سقَطَ طلاقُه لارِتفاعِ مُرادِه وجَبَ أنْ يَسقُطَ طلاقُ السَّكرانِ، إذْ لا مُرادَ لهُ، ولأنَّ السَّكرانَ إذا ارتَدَّ لم يُستتَبْ في حالِ سُكرِه ولم يُقتَلْ، دلَّ على أنْ لا حُكمَ لقَولِه، ولا يَجوزُ إبطالُ نكاحٍ قدْ أُجمِعَ على صحَّتِه بطلاقٍ قدِ اختُلفَ في وُجوبِه.

ولأنَّ العَقلَ شَرطٌ للتَّكليفِ، إذْ هو عِبارةٌ عَنْ الخِطَابِ بأمرٍ أو نهيٍ، ولا يَتوجَّهُ ذلكَ إلى مَنْ لا يَفهمُه، ولا فَرْقَ بيْنَ زَوالِ الشَّرطِ بمَعصيةٍ أو غَيرِها، بدَليلِ أنَّ مَنْ كَسَرَ ساقَيهِ جازَ لهُ أنْ يُصلِّيَ قاعدًا، ولو ضَربَتِ المرأةُ بطْنَها فنَفَسَتْ سَقطَتْ عنها الصَّلاةُ، ولو ضرَبَ رأسَه فجُنَّ سقَطَ التَّكليفُ (٢).


(١) «تفسير القرطبي» (٥/ ٢٠٤)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٤١، ٤٢)، و «مواهب الجليل» (٥/ ٢٦٤)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٣١، ٣٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٤٦)، و «تحبير المختصر» (٣/ ١٣٧).
(٢) «المغني» (٧/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>