فِعلِه نُسبَتْ إليهِ، وكانَ مُؤاخذًا بها وإنْ كانَ مِنْ فعْلِ اللهَ تعالَى فيهِ؛ لأنَّ رفْعَ الطَّلاقِ تَخفيفٌ ورُخصةٌ، وإيقاعَهُ تَغليظٌ وغَريمةٌ، فإذا وقَعَ مِنَ الصَّاحِي وليسَ بعَاصٍ كانَ وُقوعُه مِنَ السَّكرانِ مع المَعصيةِ أَولَى؛ لأنَّ السَّكرانَ ليسَ يَستدلُّ على سُكرِه بعِلمٍ ظاهرٍ هو مَعذورٌ فيهِ، وإنَّما يُعرَفُ مِنْ جِهتِه، وهو فاسِقٌ مَردودُ الخبَرِ، ورُبَّما تَساكَرَ تَصنُّعًا، فلم يَجُزْ أنْ يُعدلَ بهِ عن يَقينِ الحُكمِ السَّابقِ بالتَّوهُّمِ الطارِئِ.
ولا يَجوزُ اعتِبارُه بالمُكرَهِ والمَجنونِ لأمرَينِ:
أحدُهُما: أنَّ مع المُكرَهِ والمَجنونِ عِلمٌ ظاهرٌ يدلُّ على فَقْدِ الإرادةِ هُما فيهِ مَعذورانِ، بخِلافِ السَّكرانِ.
والثَّاني: أنَّ المُكرَهَ والمَجنونَ غيرُ مُؤاخذَينِ بالإكراهِ والجُنونِ، فلم يُؤاخَذا بما حدَثَ فيهما، كما أنَّ مَنْ قطَعَ يدَ سارِقٍ فسَرَتْ إلى نَفسِه لا يُؤاخِذُه بالسِّرايةِ؛ لأنَّه غيرُ مُؤاخَذٍ بالقَطعِ، ولو كانَ مُتعدِّيًا بالقَطعِ لَكانَ مُؤاخَذًا بالسِّرايةِ كما كانَ مُؤاخَذًا بالقَطعِ، وخالَفَ الصَّبيَّ؛ لأنَّهُ مُكلَّفٌ والصَّبيُّ غَيرُ مُكلَّفٍ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (١٠/ ٢٣٦، ٢٣٧)، ويُنظر: «البيان» (١٠/ ٦٩، ٧٠)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٤١٠، ٤١٤)، و «الاستذكار» (٦/ ٢٠٥، ٢٠٧)، و «شرح السنة» (٩/ ٢٢٢، ٢٢٣)، و «تحفة الفقهاء» (٢/ ١٩٥)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٩٩، ١٠٠)، و «المبسوط» (٦/ ١٧٦)، و «الإفصاح» (٢/ ١٧٤، ١٧٥)، و «الإشراف» لابن المنذر (٥/ ٢٢٦، ٢٢٧)، و «المغني» (٧/ ٢٨٩، ٢٩٠)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٦٨، ٢٦٩)، و «الإنصاف» (٨/ ٤٣٣)، و «منار السبيل» (٣/ ٨٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute