ولأنَّهُ مُكلَّفٌ، والدَّليلُ عليهِ قَولُه تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣]، فدَلَّتْ على تَكليفِهم مِنْ وجهَينِ:
أحدُهما: تَسمِيتُهم بالمُؤمنِينَ ونِداؤُهم بالإيمانِ، ولا يُنادَى بهِ إلَّا لهُم.
والثَّاني: نَهيُهم في حالِ السُّكرِ أنْ يَقرَبُوا الصَّلاةَ، ولا يُنهَى إلَّا مُكلَّفٌ.
ولأنَّ عمَرَ شاوَرَ الصَّحابةَ ﵃ في حَدِّ الخَمرِ، وقالَ: «أرَى النَّاسَ قد بالَغُوا في شُربِه واستَهانُوا بحَدِّهِ، فماذا تَرَونَ؟ فقالَ عَليٌّ ﵁: إنَّه إذا شَربَ سَكِرَ، وإذا سَكرَ هَذَى، وإذا هَذى افتَرَى، فأرَى أنْ يُحَدَّ حدَّ المُفتَري ثَمانينَ، فحَدَّهُ عُمرُ وعُثمانُ وعليٌّ ثَمانينَ»، فكانَ الدَّليلُ منهُ أنَّ الزِّيادةَ على الأربعِينَ علَّةٌ لافتِرائِه في سُكرِه، ولو كانَ غَيرَ مُكلَّفٍ لَمَا حُدَّ بما أتاهُ، ولا كانَ مُؤاخَذًا به، وفي مُؤاخَذَتِه بهِ دليلٌ على تَكليفِه، فإذا ثَبتَ أنَّهُ مُكلَّفٌ وجَبَ أنْ يقَعَ طَلاقُه كالصَّاحِي.
ولأنَّهُ مُؤاخَذٌ بسُكرِه فوجَبَ أنْ يَكونَ مُؤاخَذًا بما حدَثَ عَنْ سُكرِه، ألَا تَرى أنَّ مَنْ جنَى جِنايةً فسَرَتْ لِمَا كانَ مُؤاخَذًا بها كانَ مُؤاخَذًا بسرايتِها؟
فإنْ قيلَ: فليسَ السُّكرُ مِنْ فِعلِه، وإنَّما هوَ مِنْ فِعلِ اللهِ تعالَى فيهِ، فكيفَ صارَ مَنسوبًا إليهِ ومُؤاخَذًا بهِ؟
قيلَ: لأنَّ سَببَهُ -وهوَ الشُّربُ- مِنْ فِعلِه، فصارَ ما حدَثَ عنهُ -وإنْ كانَ مِنْ فِعلِ اللهِ تعالَى- مَنسوبًا إلى فِعلِه، كما أنَّ سِرايةَ الجِنايةِ لمَّا حَدثَتْ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute