للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإيقاعِ حُكمِهِ، فعَلِمْنا أنَّهُ لا حَظَّ للإرادَةِ في نَفيِ الطَّلاقِ، وأنَّهما جَميعًا مِنْ حَيثُ كانَا قاصدَينِ للقولِ أنْ يَثبتَ حُكمُه عَليهِما (١).

ولأنَّ الهازِلَ أتَى بالقَولِ غَيرَ مُلتزِمٍ لحُكمِه، وتَرتيبُ الأحكامِ على الأسبابِ إنَّما هي للشَّارِعِ لا للعاقِدِ، فإذا أتَى بالسَّببِ لَزمَهُ حُكمُه شاءَ أم أبَى؛ لأنَّ ذلكَ لا يَقفُ على اختِيارِه، وذلكَ أنَّ الهازِلَ قاصِدٌ للقَولِ مُريدٌ لهُ معَ عِلمِه بمَعناهُ ومُوجَبِه، وقَصدُ اللَّفظِ المُتضمِّنِ للمَعنَى قَصدٌ لذلكَ المَعنَى؛ لتَلازُمِهما، ثمَّ إنَّ اللَّعبَ والهَزلَ في حُقوقِ اللهِ تعالَى غَيرُ جائزٍ، فيكونُ جِدُّ القَولِ وهَزلُه سواءً، بخِلافِ جانبِ العِبادِ (٢).

قالَ الإمامُ البَغويُّ : اتَّفقَ أهلُ العِلمِ على أنَّ طلاقَ الهازِلِ يَقعُ، وإذا جَرَى صَريحُ لَفظِ الطَّلاقِ على لِسانِ العاقِلِ البالِغِ لا يَنفعُه أنْ يقولَ: «كنتُ فيهِ لاعِبًا أو هازِلًا»؛ لأنَّه لو قُبِلَ ذلكَ منهُ لَتَعطَّلتِ الأحكامُ ولَم يَشأْ مُطلِّقٌ أو ناكِحٌ أو مِعتِقٌ أنْ يقولَ: «كنتُ في قَولي هازِلًا»، فيَكونُ في ذلكَ إبطالُ أحكامِ اللهِ تعالَى، فمَنْ تَكلَّمَ بشيءٍ ممَّا جاءَ ذِكرُه في هذا الحَديثِ لَزمَهُ حُكمُه، وخَصَّ هذهِ الثَّلاثَ بالذِّكرِ لتَأكيدِ أمرِ الفَرجِ، واللهُ أعلمُ (٣).


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٥/ ١٤).
(٢) «الفتاوى الكبرى» (٣/ ١٥٠)، و «إعلام الموقعين» (٣/ ١٢٤).
(٣) «شرح السنة» (٩/ ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>