للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهوَ قولُ داودَ وأكثرِ أصحابِهِ، وهوَ قَولُ بعضِ أصحابِ أبي حَنيفةَ كمُحمِّدِ بنِ مُقاتلٍ، وبعضِ أصحابِ مالكٍ، فهوَ مَرويٌّ عَنْ بضعَةَ عشرَ فَقيهًا مِنْ فُقهاءِ طُلَيطِلَةَ المُفتِينَ على مَذهبِ مالِكٍ، وبَعضِ المُفتِينَ بالأَندلُسِ على مَذهبِ مالِكٍ، وبَعضِ الحَنابلةِ كأبي البَرَكاتِ (١).


(١) «إغاثة اللهفان» (١/ ٣٢٥، ٣٢٧)، وقدْ حكى هذا القولَ الإمامُ الماوَرْديُّ عن جماعةٍ مِنْ أهلِ العلمِ، قالَ : فإنْ طلَّقَها ثلاثًا في وقتٍ واحدٍ وقعَتِ الثَّلاثُ، ولم تكُنْ مُحرَّمةً ولا بدعةً، والسُّنةُ والبدعَةُ في زمانِ الطَّلاقِ لا في عَددِه، وبه قالَ مِنْ الصَّحابةِ الحسَنُ بنُ عليٍّ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ، ومِن التَّابعِينَ ابنُ سيرينَ، ومِن الفُقهاءِ أحمدُ بنُ حنبلٍ.
وحُكيَ عن السَّبعةِ - أظُنُّ -واللهُ أعلَمُ- أنَّ هَذا تَصحيفٌ، والصَّوابُ (الشِّيعَةُ)، وليسَ السَّبعَةُ- وعن داودَ بنِ عليٍّ وطائفةٍ مِنْ أهلِ الظَّاهرِ أنَّ طلاقَ الثلاثِ لا يَقعُ، فاختَلفَ القائلونَ بهذا؛ هل يكونُ واحدةً أم لا؟ فقالَ المَغربيُّ: تكونُ واحدةً، وقالَ آخرونَ: لا يَقعُ مِنهنَّ شيءٌ، وقالَ أبو حَنيفةَ: طلاقُ الثَّلاثِ واقِعٌ لكنَّهُ حرامٌ مُبتدَعٌ، وبهِ قالَ مِنْ الصَّحابَةِ عمرُ بنُ الخطَّابِ وعبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ وعبدُ اللهِ بنُ عُمرَ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، ومِن الفقهاءِ مالكٌ والعراقيُّونَ.
واستَدلَّ مَنْ منَعَ مِنْ وقوعِ الطَّلاقِ الثَّلاثِ بأنَّ اللهَ تعالى فرَّقَ طلاقَ الثَّلاثِ بقَولِه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾، فلَم يَجُزْ أنْ يُجمَعَ ما أمرَ بتَفريقِه؛ لأنَّهُ ارتكابُ ما نهى عنهُ، وما حَرُمَ مِنْ الطَّلاقِ لا يَقعُ كالمُراجَعةِ، وبما رَواهُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ قالَ: «كانَ الطَّلاقُ الثَّلاثُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ وأيَّامِ أبي بكرٍ وصدْرٍ مِنْ أيَّامِ عُمرَ واحدةٌ، فقالَ عُمرُ: قدِ استَعجَلتُم في أمْرٍ كانَ لكُم فيهِ أَناةٌ، وجعَلَه ثلاثًا»، فلا يَجوزُ لعُمرَ أنْ يُخالِفَ شَرعًا ثبَتَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ وقدِ ارتَفعَ النَّسخُ بمَوتِهِ. «الحاوي الكبير» (١٠١١٩، ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>