للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتَجَّ مَنْ قالَ: «إنَّ الثَّلاثَ إذا وقَعَتْ مَجموعةً حُمِلَتْ على الواحدةِ» بأنَّ مَنْ قالَ: «أَحلِفُ باللهِ ثَلاثَّا» لا يُعدُّ حَلِفُهُ إلَّا يَمينًا واحِدةً، فلْيَكنِ المُطلِّقُ مِثلَهُ، وتُعُقِّبَ باختِلافِ الصِّيغتَينِ؛ فإنَّ المُطلِّقَ يُنْشِئُ طلاقَ امرأتِهِ وقدْ جُعِلَ أمَدُ طلاقِها ثَلاثًا، فإذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ ثلاثًا» فكأنَّهُ قالَ: «أنتِ طالِقٌ جَميعَ الطَّلاقِ»، وأمَّا الحَلِفُ فلا أمَدَ لعَددِ أَيمانِه، فافتَرَقَا (١).

القولُ الثَّاني: أنَّ الطَّلاقَ الثَّلاثَ بلَفظٍ واحدٍ أو في مَجلِسٍ واحِدٍ أو في طُهرٍ واحِدٍ قبْلَ أنْ يُراجِعَها تُحسَبُ طلقةً واحدةً (٢). كأنْ يَقولَ لها: «أنتِ طالِقٌ أنتِ طالِقٌ أنتِ طالِقٌ» لا يَقعُ إلَّا واحدةٌ، وهذَا مذهَبُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَةَ وتِلميذِهِ ابنِ القيِّمِ، وهوَ مَنقولٌ عَنْ طائفةٍ مِنْ السَّلَفِ والخلَفِ مِنْ أصحابِ رَسولِ اللهِ مثلِ الزَّبيرِ بنِ العوَّامِ وعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، ويُروى عَنْ عليٍّ وابنِ مَسعُودٍ وابنِ عبَّاسٍ، وهوَ قَولُ كَثيرٍ مِنْ التَّابعِينَ ومَن بَعدَهُم مثلِ طاوسٍ وخلاسِ بنِ عَمرٍو ومحمدِ بنِ إسحاقَ،


(١) «فتح الباري» (٩/ ٣٦٥).
(٢) قالَ ابنُ مُفلحٍ في «المُبدِعِ»: إذا أَوقعَ ثلاثًا في كلمةٍ واحدةٍ وقَعَ الثَّلاثُ، رُويَ عن جماعةٍ مِنْ الصَّحابةِ، وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ، وقالَ جماعةٌ: «مَنْ طلَّقَ البِكرَ ثلاثًا فهوَ واحدةٌ»، وحكَى المُحبُّ الطبريُّ عن الحجَّاجِ بنِ أرطاةَ وابنِ مُقاتلٍ أنَّ طلاقَ الثَّلاثِ واحدةٌ، وأَنكرَ النَّوويُّ حكايتَهُ عن الحجَّاجِ، وأنَّ المشهورَ عنهُ أنَّه لا يَقعُ شيءٌ، وأَوقعَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ مِنْ ثلاثٍ مَجموعةٍ أو مُفرَّقةٍ قبْلَ رَجعةٍ واحدةً، وقالَ: إنَّهُ لا يَعلمُ أحدًا فرَّقَ بيْنَ الصُّورتَينِ. «المبدع» (٧/ ٢٦٢)، و «الفروع» (٥/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>