قالَ القاضِي عبدُ الوهابِ ﵀: ولأنَّ كلَّ مِلكٍ يَزولُ بإزالَتِهِ مُفتَرِقًا فإنَّهُ يَزولُ بإزالتِهِ مُجتَمعًا، أصلُهُ إعتاقُ العَبيدِ، ولأنَّ الزَّوجَ يَملكُ بالعقدِ الطَّلاقَ الثَّلاثَ فلا يَخلُو أنْ يكونَ ملَكَ إِيقاعَها مُتفرِّقةً أو مُجتمِعةً أو كيفَ شاءَ مِنْ جَمْعٍ أو تَفريقٍ، فلَو كانَ لا يَملكُ إلَّا مُفتَرِقًا لَم يجُزْ أنْ يَملكَ غَير المَدخولِ بها؛ لامتِناعِ تَفريقِ الثَّلاثِ عليها في العَقدِ الواحِدِ، فدلَّ أنَّهُ ملَكَهُ مُجتمِعًا ومُفتَرِقًا، ولأنَّ الطَّلاقَ تابِعٌ للنِّكاحِ؛ بدَليلِ أنَّه لا يَثبتُ حكُمُه قبْلَ وجودِهِ، وقدْ ثبَتَ جوازُ العَقدِ على أَربعِ نِسوةٍ بعَقدٍ واحدٍ وعُقودٍ مُتفرِّقةٍ، وكذلكَ يَجبُ إيقاعُ الثَّلاثِ بلَفظٍ واحدٍ وبثَلاثةِ ألْفاظٍ، ودَليلُنا على أنَّهُ يقَعُ للجَميعِ ما ذكَرْناهُ، ولأنَّ كلَّ مَنْ لزِمَهُ حكْمُ الثَّلاثِ مُتفرِّقاتٍ لزِمَه حكْمُها مُجتمِعاتٍ، كالمُطلِّقِ ثلاثَ نِسوةٍ بلَفظٍ واحدٍ (١).
وقالَ ابنُ حَجَرٍ، قالَ القُرطبيُّ ﵀: وحُجَّةُ الجُمهورِ في اللُّزومِ مِنْ حَيثُ النَّظرُ ظاهِرةٌ جدًّا، وهوَ أنَّ المُطلَّقةَ ثلاثًا لا تَحِلُّ للمُطلِّقِ حتَّى تَنكحَ زَوجًا غيرَهُ، ولا فرْقَ بيْنَ مَجموعِها ومُفرِّقِها لُغةً وشَرعًا، وما يُتخيَّلُ مِنْ الفرْقِ صُوريٌّ أَلغاهُ الشَّرعُ اتِّفاقًا في النِّكاحِ والعِتقِ والأَقاريرِ، فلوَ قالَ الوَليُّ: «أَنكحْتُكَ هؤلاءِ الثَّلاثَ» في كَلمةٍ واحِدةٍ انعَقدَ، كما لو قالَ: «أَنكحْتُكَ هذهِ وهذهِ وهذهِ»، وكَذا في العِتقِ والإقرارِ وغيرِ ذلكَ مِنَ الأحكامِ.
(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٠٧، ٤٠٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute