للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«طلَّق ركانَةُ زَوجَهُ ثلاثًا في مَجلِسٍ واحِدٍ، فحَزِنَ عليها حُزنًا شَديدًا، فسَألَهُ رَسولُ اللهِ : كيفَ طلَّقْتَها؟ قالَ: طلَّقْتُها ثلاثًا في مَجلسٍ واحدٍ، قالَ: إنَّما تِلكَ طلْقَةٌ واحدَةٌ فارْتَجِعْها».

وقد احتَجَّ مَنِ انتَصَرَ لقَولِ الجُمهورِ بأنَّ حَديثَ ابنِ عبَّاسٍ الواقِعَ في الصَّحيحَينِ إنَّما رواهُ عنهُ مِنْ أصحابِهِ طاوسٌ، وأنَّ جلَّةَ أصحابِهِ رَوَوْا عنهُ لُزومَ الثَّلاثِ، منهُم سَعيدُ بنُ جُبيرٍ ومجاهدٌ وعطاءٌ وعَمرُو بنُ دينارٍ وجَماعةٌ غَيرُهم، وأنَّ حَديثَ ابنِ إسحاقَ وَهْمٌ، وإنَّما رَوى الثِّقاتُ أنَّهُ طلَّقَ رُكانَةُ زَوجَهُ البتةَ لا ثَلاثًا.

وسببُ الخِلافِ: هلِ الحُكمُ الَّذي جعَلَهُ الشَّرعُ مِنَ البَينُونةِ للطَّلقةِ الثَّالثةِ يقَعُ بإلزامِ المُكلَّفِ نفْسَه هذا الحُكْمَ في طَلقةٍ واحدَةٍ؟ أم ليسَ يَقعُ ولا يَلزَمُ مِنْ ذلكَ إلَّا ما أَلزَمَ الشَّرعُ؟

فمَنْ شبَّهَ الطَّلاقَ بالأَفعالِ الَّتِي يُشتَرَطُ في صحِّةِ وُقوعِها كَونُ الشُّروطِ الشَّرعيَّةِ فيها كالنِّكاحِ والبُيوعِ قالَ: «لا يَلزَمُ»، ومَن شَبَّهَهُ بالنُّذورِ والأَيمانِ الَّتي ما التَزمَ العبدُ مِنها لَزمَه على أيِّ صِفَةٍ كانَ أَلزَمَ الطَّلاقَ كيفَما أَلزمَهُ المُطلِّقُ نفْسَه، وكأنَّ الجُمهورَ غَلَّبُوا حُكمَ التَّغليظِ في الطَّلاقِ سَدًّا لِلذَّريعةِ، ولكنْ تَبطُلُ بِذاكَ الرُّخصَةُ الشَّرعيَّةُ والرِّفقُ المَقصودُ في ذلكَ، أعنِي في قَولِه تعالَى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)(١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>