للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ ابنُ المُنذِرِ : طلَّقَ ابنُ عُمرَ امرأتَهُ حائِضًا فاحتَسَبَ بالتَّطليقةِ.

وممَّنْ مَذهبُه أنَّ الحائِضَ يقَعُ بهَا الطَّلاقُ الحسَنُ البَصريُّ وعَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ، وبهِ قالَ مالكٌ والثَّوريُّ وأصحابُ الرَّأيِ والأوزاعِيُّ واللَّيثُ بنُ سَعدٍ والشَّافعيُّ وأبو ثَورٍ وكلُّ مَنْ نَحفظُ عنهُ مِنْ أهلِ العلمِ، إلَّا ناسًا مِنْ أهلِ البدَعِ لا يُقتَدَى بهمْ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : أجمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى تَحرِيمِ طَلاقِ الحائِضِ الحائِلِ بغَيرِ رِضاهَا، فلَو طلَّقَها أَثِمَ ووَقَعَ طَلاقُه، ويُؤمَرُ بالرَّجعَةِ؛ لحَديثِ ابنِ عُمرَ المَذكورِ في البابِ، وشَذَّ بعْضُ أهلِ الظَّاهِرِ فقالَ: «لا يقَعُ طَلاقُه؛ لأنَّه غَيرُ مأذُونٍ لهُ فيهِ، فأَشبهَ طلاقَ الأجنبيَّةِ»، والصَّوابُ الأوَّلُ، وبهِ قالَ العُلماءُ كافَّةً، ودَليلُهم أمْرُه بمُراجَعَتِها، ولَو لَم يقَعْ لم تكنْ رَجعةٌ.

فإنْ قِيلَ: المُرادُ بالرَّجعةِ الرَّجعةُ اللُّغويَّةِ، وهيَ الرَّدُّ إلى حالِها الأوَّلِ، لا أنَّهُ تُحسبُ عليهِ طَلقةٌ.

قُلنا: هذا غَلطٌ لِوجهَينِ: أحَدُهما: أنَّ حمْلَ اللَّفظِ على الحَقيقةِ الشَّرعيَّةِ يُقدَّمُ على حمْلِه على الحَقيقةِ اللُّغويَّةِ كما تَقرَّرَ في أصُولِ الفِقهِ، الثَّاني: أنَّ ابنَ عُمرَ صرَّحَ في رِواياتِ مُسلِمٍ وغَيرِه بأنَّه حَسَبَها عليهِ طَلقةً، واللهُ أعلمُ (٢).


(١) «الإشراف» (٥/ ١٨٧).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (١٠٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>