فكانَ أَولَى بالتَّحريمِ مِنَ الطَّلاقِ في الحيضِ الَّذي ضرَرُه بقاؤُها في العدَّةِ أيامًا يَسيرةً، أو الطَّلاقِ في طُهرٍ مسَّها فيه الَّذي ضرَرُه احتِمالُ النَّدمِ بظُهورِ الحَمْلِ، فإنَّ ضرَرَ جمْعِ الثَّلاثِ يَتضاعفُ على ذلكَ أضعافًا كثيرةً، فالتَّحريمُ ثَمَّ تَنبيهٌ على التَّحريمِ هاهُنا؛ ولأنَّهُ قولُ مَنْ سمَّيْنا مِنْ الصَّحابةِ -عُمرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عمرَ- رواهُ الأثرَمُ وغيرُهُ، ولم يَصحَّ عِندَنا في عَصرِهم خِلافُ قولِهم، فيَكونُ ذلكَ إجماعًا.
وأمَّا حديثُ المُتلاعنَينِ فغَيرُ لازمٍ؛ لأنَّ الفُرقةَ لم تقَعْ بالطَّلاقِ، فإنَّها وقَعَتْ بمُجرَّدِ لعانِهما، وعندَ الشَّافعيِّ بمُجرَّدِ لعانِ الزَّوجِ، فلا حُجَّةَ فيهِ، ثُمَّ إنَّ اللِّعانَ يوجِبُ تحريمًا مؤبَّدًا، فالطَّلاقُ بعدَهُ كالطَّلاقِ بعدَ انفِساخِ النِّكاحِ بالرَّضاعِ أو غَيرِه، ولأنَّ جمْعَ الثَّلاثِ إنَّما حَرُمَ لِمَا يَعقُبُه مِنْ النَّدمِ ويحصلُ بهِ مِنْ الضَّررِ ويُفوِّتُ عليهِ مِنْ حِلِّ نكاحِها، ولا يَحصلُ ذلكَ بالطَّلاقِ بعْدَ اللِّعانِ؛ لحُصولِه باللِّعانِ، وسائرُ الأحاديثِ لم يَقعْ فيها جمْعُ الثَّلاثِ بينَ يَديِ النَّبيِّ ﷺ فيَكونُ مُقِرًّا عليهِ، ولا حضَرَ المُطلِّقُ عندَ النَّبيِّ ﷺ حينَ أُخبِرَ بذلكَ ليُنكرَ عليهِ، على أنَّ حَديثَ فاطِمةَ قد جاءَ فيهِ: «أنَّهُ أَرسلَ إليها بتَطليقةٍ كانَتْ بَقِيَتْ لها مِنْ طلاقِها»، وحديثُ امرأةِ رفاعَةَ جاءَ فيهِ: «أنَّهُ طلَّقَها آخرَ ثلاثِ تطلِيقاتٍ» مُتفَقٌ عليهِ، فلمْ يكنْ في شيءٍ مِنْ ذلكَ جمْعُ الثَّلاثِ، ولا خلافَ بيْنَ الجميعِ في أنَّ الاختيارَ والأَولى أنْ يُطلِّقَ واحدةً ثمَّ يدعَها حتَّى تَنقضيَ عدتُها، إلَّا ما حكَينَا مِنْ قولِ مَنْ قالَ: «إنَّهُ يُطلِّقُها في كلِّ قُرءٍ طلقةً»، والأولُ أَولى؛ فإنَّ في ذلكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute