ودَليلُنا: قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فجعَلَ التَّسريحَ لِمَنْ له الإمساكُ، فلمَّا لم يَكنْ لزَوجِ المُختلِعةِ إمساكُها لم يَكنْ بهِ تَسريحُها وطَلاقُها، ولأنه إجماعُ الصَّحابةِ؛ لأنه مَرويٌّ عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، وليسَ لهُما مُخالِفٌ، ولأنَّ الطَّلاقَ إذا لم يَرفعْ نِكاحًا ولم يُسقِطْ رَجعةً كانَ مُطَّرِحًا كالمُطلَّقةِ بعدَ العدَّةِ، ولأنها امرَأةٌ لا تَحلُّ لهُ إلَّا بنكاحٍ جَديدٍ، فلمْ يَلحقْها طلاقُه كالأجنبيَّةِ.
فإنْ قيلَ: الأجنبيَّةُ ليسَ بيْنَها وبينَهُ شيءٌ مِنْ أحكامِ النِّكاحِ، فلمْ يَلحقْها الطَّلاقُ، والمُختلِعةُ يَجري عليها مِنْ أحكامِ النِّكاحِ وُجوبُ العِدَّةِ واستِحقاقُ السُّكنى ولُحوقُ النَّسبِ، فجازَ أنْ يَلحقَها الطَّلاقُ.
فالجَوابُ عنهُ: أنَّ وُجوبَ العدَّةِ ولُحوقَ النَّسبِ مِنْ أحكامِ الوطءِ دُونَ النِّكاحِ، ألَا تَرى لو طلَّقَها قبلَ الدُّخولِ لَم تَعتدَّ، ولو طلَّقَها عَقبَ نِكاحِه فقالَ: «قد قَبلْتُ نكاحِها هي طالِقٌ» لم يُلحقْ بهِ الوَلدُ، ولو وطِئَها بشُبهةٍ مِنْ غيرِ نكاحِ وجبَتْ عليها العدَّةُ ولُحِقَ بهِ الوَلدُ، فدلَّ على أنَّ العدَّةَ ولُحوقَ النَّسبِ مِنْ أحكامِ الوَطءِ دُونَ النِّكاحِ، وليسَ كذلكَ الطَّلاقُ؛ لأنه مِنْ أحكامِ النِّكاحِ دُونَ الوَطءِ … (١).
(١) «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٦، ١٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute