أوَّلَ مَنْ ردَّ الخُلعَ دُونَ السُّلطانِ، ولا خِلافَ بيْنَ فُقهاءِ الأمصارِ في جَوازِه دُونَ السُّلطانِ، وكتابُ اللهِ يُوجبُ جَوازَه وهوَ قولُه تَعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وقالَ تعالَى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩]، فأباحَ الأخذَ منها بتَراضِيهما مِنْ غَيرِ سُلطانٍ، وقَولُ النَّبيِّ ﷺ لامرَأةِ ثابتِ بنِ قَيسٍ: «أَتَردِّينَ عليهِ حَديقتَه؟ فقالَتْ: نعَمْ، فقالَ للزَّوجِ: خُذْها وفارِقْها» يَدلُّ على ذلكَ أيضًا؛ لأنَّه لو كانَ الخُلعُ إلى السُّلطانِ شاءَ الزَّوجانِ أو أَبَيَا إذا عَلِمَ أنهما لا يُقيمانِ حُدودَ اللهِ لم يَسألْهما النَّبيُّ ﷺ عن ذلكَ، ولا خاطَبَ الزَّوجَ بقَولِه: «اخلَعْها»، بلْ كانَ يَخلعُها منهُ ويَردُّ عليهِ حَديقتَهُ وإنْ أبَيَا أو واحِدٌ منهمُا، كما لمَّا كانَتْ فرقَةُ المُتلاعنَينِ إلى الحاكمِ لم يَقلْ للمُلاعِنِ: «خلِّ سَبيلَها»، بلْ فرَّقَ بيْنَهُما، كما رَوى سَهلُ بنُ سَعدٍ «أنَّ النَّبيَّ ﷺ فرَّقَ بيْنَ المُتلاعنَينِ» كما قالَ في حَديثٍ آخَرَ: «لا سَبيلَ لكَ عليها» ولم يَرجعْ ذلكَ إلى الزَّوجِ، فثبَتَ بذلكَ جوازُ الخُلعِ دونَ السُّلطانِ، ويَدلُّ عليهِ أيضًا قولُهُ ﷺ: «لا يَحلُّ مالُ امرئٍ إلَّا بطِيبةٍ مِنْ نَفسِه» (١).
وقالَ الحافِظُ ابنُ حجَرٍ ﵀: قولُهُ-أيِّ البُخاريّ-: وأجازَ عُمَرُ الخُلعَ دُونَ السُّلطانِ -أي بغَيرِ إذنِه-، وصَلَه ابنُ أبي شَيبةَ مِنْ طريقِ خيثمَةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ قالَ: «أُتِي بِشرُ بنُ مروانَ في خُلعٍ كانَ بيْنَ رجلٍ وامرأةٍ فلَم يُجِزْه، فقالَ لهُ عَبدُ اللهِ بنُ شهابٍ الخَولانِيُّ: قَدْ أُتِيَ عُمرُ في خُلعٍ فأجازَه»،
(١) «أحكام القرآن» (٢/ ٩٤، ٩٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute