للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا إذا طلَّقَها -بأنْ أجابَها بلَفظِ طلاقٍ أو بلَفظِ خُلعٍ معَ نيَّةِ الطَّلاقِ- فيَقعُ طلاقًا رَجعيًّا ولا تَبِينُ منه؛ لفِسادِ العِوضِ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ النُّشوزَ إذا كانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوجِ -أي: النَّفرةُ والجَفاءُ منهُ- صَحَّ الخُلعُ ووقَعَ طَلقةً رَجعيَّةً، ولكنْ يُكرهُ له أنْ يأخُذَ منها قَليلًا أو كَثيرًا؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠]، نهَى عن أخذِ شَيءٍ ممَّا آتاها مِنَ المَهرِ، وأكَّدَ النَّهيَ بقَولِه: ﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠)[النساء: ٢٠].

وقَولُه: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩] أي: لا تُضَيِّقُوا عليهنَّ لتَذهَبوا ببعضِ ما آتَيتُموهُنَّ ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] أي إلا أنْ يَنشُزْنَ، نهَى الأزواجَ عن أخذِ شيءٍ ممَّا أعطَوهُنَّ واستَثنَى حالَ نُشوزِهنَّ، وحُكمُ المُستثنَى يُخالِفُ حُكمَ المُستثنَى منهُ، فيَقتضِي حُرمةَ أخذِ شيءٍ ممَّا أعطَوهُنَّ عندَ عَدمِ النُّشوزِ منهنَّ، وهذا في حُكمِ الدِّيانةِ، فإنْ أخَذَ جازَ ذلكَ في الحُكمِ ولَزمَ حتى لا يَملكَ استِردادَه؛ لأنَّ الزَّوجَ أسقَطَ مِلكَه عنها بعِوضٍ رَضيَتْ به، والزَّوجُ مِنْ أهلِ الإسقاطِ، والمَرأةُ مِنْ أهلِ المُعاوَضةِ والرِّضا، فيَجوزُ في الحُكمِ والقَضاءِ (٢).


(١) «المغني» (٧/ ٢٤٨، ٢٤٩)، و «الإنصاف» (٨/ ٣٨٤)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٤٢)، و «شرح منتهى الإردات» (٥/ ٣٣٦).
(٢) «موطأ مالك» برواية محمد بن الحسن (٢/ ٤٨٧)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٤٦٤)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٢/ ٩١، ٩٢)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٥٠)، و «الهداية» (٢/ ١٤)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥١٧)، و «اللباب» (٢/ ١١٦)، و «الاختيار» (٣/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>