للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا، هل يَجوزُ أنْ يَزيدَ عن لَيلةٍ ليلةٍ بغيرِ رِضاهنَّ أم لا يَجوزُ؟

فذهَبَ المالكيَّةُ والشَّافعيةُ في وجهٍ -وهو اختِيارُ ابنِ المُنذِرِ- والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنهُ لا يَجوزُ الزِّيادةُ في القَسْمِ بَينَ الزَّوجاتِ عن لَيلةٍ ليلةٍ لِكلِّ امرأةٍ إلَّا برِضاهُنَّ؛ لأنَّ النَّبيَّ إنَّما قَسَمَ ليلةً وليلةً، ولأنَّ التَّسويةَ واجِبةٌ، وإنَّما جُوِّزَتِ البداءَةُ بواحِدةٍ لتَعذُّرِ الجَمعِ، فإذا باتَ عندَ واحدةٍ ليلةً تَعيَّنتِ اللَّيلةُ الثَّانيةُ حقًّا للأُخرى، فلَم يَجُزْ جَعلُها للأُولَى بغيرِ رضاها، ولأنهُ تأخيرٌ لحُقوقِ بَعضِهنَّ، فلَم يَجُزْ بغيرِ رضاهُنَّ كالزِّيادةِ على الثَّلاثِ، ولأنهُ إذا كانَ لهُ أربَعُ نِسوةٍ فجعَلَ لكلِّ واحدةٍ ثلاثًا حصَلَ تأخيرُ الأخيرةِ في تِسعٍ لَيالٍ، وذلكَ كَثيرٌ فلَم يَجُزْ، كما لو كانَ له امرأتانِ فأرادَ أنْ يَجعلَ لكلِّ واحدةٍ تِسعًا.

ولأنَّ للتَّأخيرِ آفاتً فلا يَجوزُ معَ إمكانِ التَّعجيلِ بغَيرِ رضَا المُستَحِقِّ كتأخيرِ الدَّينِ الحالِّ، والتَّحديدُ بالثَّلاثِ تَحكُّمٌ لا يُسمَعُ مِنْ غَيرِ دَليلٍ، وكَونُه في حدِّ القِلَّةِ لا يُوجِبُ جَوازَ تأخيرِ الحقِّ كالدُّيونِ الحالَّةِ وسائرِ الحُقوقِ.

وإذا رَضِينَ بالقَسْمِ أكثرَ مِنْ لَيلةٍ جازَ؛ لأنَّ الحقَّ لا يَعدُوهنَّ.

قالَ المالكيَّةُ: إذا كانَ نساؤُهُ في بلادٍ بَعيدةٍ فلا بأسَ بقِسمةِ الجُمعةِ والشَّهرِ على حَسبِ ما يُمكِنُه، بحَيثُ لا يَنالُه ضررٌ لقِلَّةِ المُدَّةِ، ولهُ أنْ يُقيمَ عندَ إحداهُنَّ لتَجْرٍ أو صَنعةٍ (١).


(١) «التاج والإكليل» (٣/ ٩)، و «مواهب الجليل» (٥/ ٢٢٤)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ٦)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٩٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>