للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووَجهُ نَفيِه قولُه : «إنَّما جُعل الإمامُ لِيُؤتمَّ به» إلى قولِه: «فإذا قالَ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [﴿: ٧]، فقُولُوا: آمينَ» ففيه دَليلانِ:

أحَدُهما: أنَّه لو كانَ مِنْ سُنَّةِ الإمامِ التَّأمينُ لَكانَ يَقولُ: فإذا قالَ: آمينَ، فقُولوا: آمينَ.

والآخَرُ: أنَّه بنيَّةِ أمرِ المَأمُومِ على أن تَقَعَ أفعالُه عُقَيبَ أفعالِ الإمامِ، وفي الخَبرِ أنَّه يَقولُ: آمينَ عندَ فَراغِه مِنْ قولِه: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [﴿: ٧]، وذلك يُوجِبُ مُشارَكَتَنا له في الزَّمانِ الذي يَقولُ فيه: آمينَ. ولأنَّ الإمامَ داعٍ والمَأمومَ مُستَمِعٌ، ومِن حقِّ الدُّعاءِ أن يَكونَ المُؤمِّنُ غيرَ الدَّاعي (١).

ثم إنَّ السُّنةَ عندَ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ أن يَأتيَ المُصلِّي بالتَّأمينِ سِرًّا سَواءٌ كانَ إمامًا أو مَأمومًا أو مُنفرِدًا؛ لأنَّ التَّأمينَ دُعاءٌ، ولأنَّ الأصلَ فيه الإخفاءُ؛ فالإتيانُ به سُنَّةٌ، والإسرارُ به سُنَّةٌ أُخرى، قالَ الحَنفيَّةُ: وعلى هذا تَحصُلُ سُنَّةُ الإتيانِ به، ولو مع الجَهرِ به.

وذَهب الشافِعيَّةُ والحَنابلَةُ إلى أنَّ الجَهرَ بالتَّأمينِ سُنَّةٌ في الصَّلاةِ الجَهريَّةِ لِلإمامِ والمَأمومِ والمُنفرِدِ، ويُسِرُّونَ به في الصَّلاةِ السِّريةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ قالَ: «آمِينَ، وَرفعَ بها صَوتَه» (٢). ولأنَّ النَّبيَّ أمرَ بالتَّأمينِ عندَ تَأمِينِ الإمامِ، فلو لم يَجهَر به لم يُعلِّق عليه، كحالةِ الإخفاءِ (٣).


(١) «الإشراف على نُكت مسائل الخلاف» (١/ ٢٥٨، ٢٥٩) رقم (١٧٨).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقَدَّم.
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ٥٠، ٥١)، وابن عابدين (١/ ٣٢٠)، و «المبسوط» (١/ ٣٢، ٣٣)، و «عمدة القاري» (٦/ ٥٣)، و «الاستذكار» (١/ ٤٧٣، ٤٧٤)، و «الخَرَشي على خليل» (١/ ٢٨٢)، و «التَّمهيد» (٧/ ١١)، و «حاشية الدُّسوقي» (١/ ٢٤٨)، و «أحكام القرآن» لابن العربي (١/ ١١، ١٤)، و «المغني» (٢/ ٣٦، ٣٧)، و «مُغني المحتاج» (١/ ١٦٠)، و «كفاية الأخيار» (١٥٩)، و «الإنصاف» (٢/ ٥١)، و «شرح مسلم» (٤/ ٤١١)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>