للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ بَعضُ السَّلفِ: لمَّا أخَذوا برأسِ الأمرِ، جَعَلناهم رُؤوسًا، فبالصَّبْرِ واليَقينِ تُنالُ الإِمامةُ في الدِّينِ، وقد أخَذَ اللهُ ﷿ على أهلِ العِلمِ المِيثاقَ أنْ يُبيِّنوا للناسِ الحَقَّ ولا يَكتُموه.

وقالَ النَّبيُّ : «أفضَلُ الجِهادِ كَلِمةُ عَدلٍ عِنْدَ سُلطَانٍ جائِرٍ، أو أمِيرٍ جائِرٍ» (١).

قالَ العُلماءُ: وإنَّما كانَ ذلك أفضَلَ الجِهادِ؛ لأنَّ الجِهادَ تَعريضٌ للنَّفسِ للتَّلفِ، وكَلمةُ العَدلِ عندَ السُّلطانِ الجائِرِ، يَغلِبُ على الظَّنِّ تَلفُها.

فالواجِبُ على العُلماءِ والدُّعاةِ إلى اللهِ ﷿ الجَهرُ بكَلمةِ الحَقِّ، غيرَ هائِبينَ، ولا وَجِلينَ.

قالَ الذَّهبيُّ : الصَّدعُ بالحَقِّ عَظيمٌ يَحتاجُ إلى قُوةٍ وإِخلاصٍ؛ فالمُخلِصُ بلا قُوةٍ، يَعجِزُ عن القيامِ به، والقَويُّ بلا إِخلاصٍ يُخذَلُ، فمَن قامَ به كامِلًا، فهو صِدِّيقٌ، ومَن ضعُفَ فلا أقَلَّ من التَّألُّمِ والإِنكارِ بالقَلبِ، وليسَ وَراءَ ذلك إِيمانٌ، فلا قُوةَ إلا باللهِ (٢).

وقد تعاقَبَ على الإِمامِ أَحمدَ أربَعةُ خُلفاءَ، بَعضُهم بالتَّهديدِ والوَعيدِ، وبَعضُهم بالضَّربِ والحَبسِ، وبَعضُهم بالنَّفيِ والتَّشريدِ، وبَعضُهم بالتَّرغيبِ في الرِّياسةِ والمالِ، ولا يَزدادُ الإِمامُ إلا ثِقةً، وإِيمانًا، ويَقينًا، وهذا شأنُ الإِيمانِ الصادِقِ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢)[لقمان: ٢٢].


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٣٤٤)، والترمذي (٢١٧٤).
(٢) «سير أعلام النبلاء» (١١/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>