مرَاتٍ كَثيرةً. واتَّفق العُلماءُ على أنَّ الجَهرَ بذلك ليس بسُنَّةٍ رَاتِبةٍ، لكِن جهرَ به لِلتَّعليمِ، ولذلك نُقِلَ عن بعضِ الصَّحابةِ أنَّه كانَ يَجهَرُ أحيانًا بالتَّعوُّذِ، فإذا كانَ مِنْ الصَّحابَةِ مَنْ جهرَ بالاستِفتاحِ والاستِعاذةِ مع إقرارِ الصَّحابةِ له على ذلك، فالجَهرُ بالبَسمَلَةِ أَولى أن يَكونَ كذلك، وأن يُشرعَ الجَهرُ بها أحيانًا لِمَصلَحةٍ راجِحةٍ.
لكِن لا نِزاعَ بينَ أهلِ العِلمِ بالحَديثِ أنَّ النَّبيَّ ﷺ لم يَجهَر بالاستِفتاحِ ولا بالاستِعاذةِ، بل قد ثَبت في الصَّحِيحِ أنَّ أبا هُريرةَ قال له: يا رَسولَ اللهِ، أرأيتَ سُكوتَكَ بينَ التَّكبيرِ والقِراءةِ؟ ماذا تَقُولُ؟ قالَ:«أقُولُ: اللَّهمَّ باعِد بَينِي وبينَ خَطايَايَ كما باعَدتَ بينَ المَشرِقِ والمَغربِ، اللَّهمَّ نَقِّني مِنْ خَطايَايَ كما يُنَقَّى الثَّوبُ الأبيَضُ مِنْ الدَّنسِ، اللَّهمَ اغسِلني مِنْ خَطايَاي بالثَّلجِ والماءِ والبَرَدِ».
وفي «السُّننِ» عنه: أنَّه كانَ يَستَعيذُ في الصَّلاةِ قبلَ القِراءةِ، والجَهرُ بالبَسمَلَةِ أقوَى مِنْ الجَهرِ بالاستِعاذةِ؛ لأنَّها آيَةٌ مِنْ كتابِ اللهِ تَعالى، وقد تَنازَعَ العُلماءُ في وُجوبِها، وإن كانوا قد تَنازَعوا في وُجوبِ الاستِفتاحِ، والاستِعاذةِ، وفي ذلك قَولانِ في مَذهبِ أحمدَ وغيرِه، لكنَّ النِّزاعَ في ذلك أضعَفُ مِنْ النِّزاعِ في وُجوبِ البَسمَلَةِ.
والقائِلونَ بوُجوبِها مِنْ العُلماءِ أفضَلُ وأكثرُ، لكِن لم يثبُت عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه كانَ يَجهَرُ بها، وليس في الصِّحاحِ ولا السُّننِ حَديثٌ صَحِيحٌ صَريحٌ بالجَهرِ، والأحاديثُ الصَّريحةُ بالجَهرِ كلُّها ضَعيفةٌ، بل مَوضوعةٌ، ولهذا لمَّا صَنَّفَ الدَّارقُطنيُّ مُصَنَّفًا في ذلك قيلَ له: هل في ذلك