للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ النَّوويُّ : واعلَم أنَّ مَسألةَ الجَهرِ ليست مَبنيَّةً على مَسألةِ إثباتِ البَسمَلَةِ؛ لأنَّ جَماعةً ممَّن يَرى الإسرارَ بها لا يَعتقدونها قُرآنًا، بل يَرَونَها مِنْ سُننِه، كالتَّعوُّذِ والتَّأمينِ، ولأنَّ جَماعةً ممَّن يَرى الإسرارَ بها يَعتقدونها قُرآنًا، وإنَّما أسَرُّوا بها وجهرَ أولئك لمَا تَرجَّح عندَ كلِّ فَريقٍ مِنْ الأخبارِ والآثارِ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ : اتَّفق العُلماءُ على أنَّه إذا فعلَ كُلًّا مِنْ الأمرَينِ، كانَت عِبادَتُه صَحِيحةً، ولا إثم عليه: لكِن يُنازِعونَ في الأفضَلِ. ومَسألةُ الجَهرِ بالبَسمَلَةِ مِنْ هذا البابِ؛ فإنَّهم مُتَّفِقونَ على أنَّ مَنْ جهرَ بالبَسمَلَةِ صحَّت صَلاتُه، ومَن خافَتَ صحَّت صَلاتُه (٢).

وقالَ أيضًا: وأمَّا البَسمَلَةُ فلا رَيبَ أنَّه كان في الصَّحابةِ مَنْ يَجهَرُ بها، وفيهم مَنْ كانَ لا يَجهَرُ بها، بل يَقرؤُنَها سِرًّا أو لا يَقرؤُنَها، والَّذينَ كانوا يَجهَرونَ بها أكثرُهم كان يَجهَرُ بها تارَةً ويُخافِتُ بها أُخرى، وهذا لأنَّ الذِّكرَ قد تَكونُ السُّنةُ المُخافَتَةَ به، ويَجهَرُ به لِمَصلحَةٍ راجِحةٍ مثلَ تَعليمِ المَأمومينَ؛ فإنَّه قد ثَبت في الصَّحِيحِ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ قد جهرَ بالفاتِحةِ على الجِنازةِ؛ لِيُعلِّمَهم أنَّها سُنَّةٌ …

وثَبت في الصَّحِيحِ أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ كانَ يَقولُ: «اللهُ أكبَرُ سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحَمدِكَ وتَباركَ اسمُكَ وتَعالى جَدُّكَ ولا إلهَ غيرُكَ»، يَجهَرُ بذلك


(١) «المجموع» (٣/ ٢٨٠، ٢٩١)، و «شرح مسلم» (٤/ ٩٨).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٢٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>