فالَّذي عليهِ أكثَرُهم أنْ لهُ منْعَها منه قَولًا واحِدًا إذا كانَ يَتقذَّرُه وتعافُه نَفسُه؛ لأنَّ نُفورَ نَفسِ المُسلمِ منهُ أكثَرُ مِنْ نُفورِها مِنْ الخَمرِ، فصارَ مانِعًا مِنْ الاستِمتاعِ، ولأنَّ حُكمَ نَجاستِه أغلَظُ؛ فهي لا تَكادُ تَطهُرُ منهُ، وتتعدَّى النَّجاسةُ مِنها إليهِ، وكانَ أبو حامِدٍ الإسفِرايينيُّ يَقولُ: هذا يَمنعُ مِنْ كمالِ الاستِمتاعِ مع إمكانِه، وتَحريمُ مَنعِها منهُ على قَولينِ: فإنْ أكلَتْ منهُ كانَ له إجبارُها على غَسلِ فَمِها ويَدِها منهُ؛ لِئلَّا تتعدَّى نَجاستُه إليهِ إذا قبَّلَ أو باشَرَ، وفي قَدرِ ما يُجبِرُها عليهِ مِنْ غَسلِه وَجهانِ: أحَدُهما: سَبعُ مرَّاتٍ إحداهُنَّ بالتُّرابِ مثلَ وُلوغِه، والوجهُ الثَّاني: يُجبِرُها على غَسلِه مرَّةً واحِدةً بغيرِ تُرابٍ؛ لأنه يُجبِرُها على غَسلِه في حَقِّ نَفسِه لا في حَقِّ اللهِ تعالَى، فأجزَأَ فيه المرَّةُ الواحِدةُ كما يُجزِئُ في غسلِ الحَيضِ بغَيرِ نيَّةٍ.
فأمَّا أكلُ ما يَتأذَّى برِيحِه مِنْ الثُّومِ والبَصلِ وما أنتَنَ مِنْ البُقولِ والمَأكَلِ فالمُسلمةُ والذمِّيةُ فيه سَواءٌ، ويُنظَرْ؛ فإنْ كانَتْ لدَواءٍ اضطَرَتْ إليهِ لم يَمنعْها منهُ، وإنْ كانَ لشَهوةٍ وغِذاءٍ فهذا يَمنعُ مِنْ كمالِ الاستِمتاعِ مع إمكانِه، فهلْ يَمنعُها منهُ أم لا؟ على قولَينِ (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: ولهُ مَنعُها مِنْ السُّكرِ وإنْ كانَتْ ذمِّيةً؛ لأنهُ يَمنعُ الاستِمتاعَ بها، فإنَّه يُزيلُ عقْلَها ويَجعلُها كالزِّقِّ المَنفوخِ، ولا يَأمنُ أنْ تَجنيَ عليهِ، وإنْ أرادَتْ شرْبَ ما لا يُسكِرُها فله مَنعُ المُسلمةِ؛ لأنهُما
(١) «الأم» (٥/ ٨)، و «الحاوي الكبير» (٩/ ٢٢٩، ٢٣٠)، و «البيان» (٩/ ٤٩٨، ٤٩٩)، و «المهذب» (٢/ ٦٦)، و «بحر المذهب» (٩/ ٢٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute