للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باختِلافِ الأمزِجةِ والأهوِيَةِ، فالمَحرُورُ يُسكِرُه القَليلُ، والمَرطُوبُ لا يُسكِرُه إلَّا الكَثيرُ، وإذا بَردَ الهواءُ واشتَدَّ أسكَرَ القَليلُ، وإذا حَميَ الهواءُ لم يُسكِرْ إلَّا الكَثيرُ، فلَمْ يَجُزْ معَ اختِلافِه أنْ يختلفَ حالَ قَليلِه وكَثيرِه.

والثَّاني -وهو قولُ أبي حامِدٍ الإسفِرايينيِّ-: لمَّا لم يَذكرْ إمارةً تَدلُّ على أنَّ الزِّيادةَ بعْدَها مُسكِرةٌ، وهذا القَدرُ لا يَمنعُ مِنْ الاستِمتاعِ، ولكنْ ربَّما عافَتْه نُفوسُ المُسلمينَ، لا سيَّما مِنْ قَوِيَ دِينُه وكَثُرَ تَحرُّجُه، فيَصيرُ مانِعًا له مِنْ كَمالِ الاستِمتاعِ، فيَحرمُ جَوازُ مَنعِها منهُ على قَولَينِ.

والثَّالثُ: ليسَ له مَنعُها مِنْ شُربِ القليلِ الَّذي يَرَونَ شُربَه في أعيادِهِم عِبادةً، ولهُ أنْ يَمنعَها مِنْ الزِّيادةِ عليهِ، سواءٌ أسكَرَ أو لم يُسكِرْ؛ مُراعاةً فيهِ العِبادةُ، ولم يُراعَى فيهِ السُّكرُ.

فأمَّا المُسلمةُ فللزَّوجِ مَنعُها مِنْ شُربِ الخَمرِ قَليلِه وكَثيرِه، وكذلِكَ مِنْ سائِرِ المُحرَّماتِ، فأمَّا النَّبيذُ: فإنْ كانَ الزَّوجانِ شَافِعيَّينِ يَعتقِدانِ تَحريمَ النَّبيذِ كالخَمرِ فلهُ مَنعُها مِنْ قَليلِه وكَثيرِه، وإنْ كانَا حَنفيَّينِ يَعتقِدانِ إباحةَ النَّبيذَ كانَ كالخَمرِ في حَقِّ الذمِّيةِ، فلهُ مَنعُها أنْ تَشربَ منهُ قدْرَ ما يُسكِرُها، وهل يَمنعُها مِنْ قَليلِه الَّذي لا يُسكِرُها؟ فعلى قَولِ أبي عَليٍّ ابنِ أبي هُريرةَ يَمنعُها منهُ قَولًا واحِدًا، وعلى قَولِ أبي حامِدٍ يكونُ على قَولينِ.

فأمَّا الخِنزيرُ فله مَنعُ المُسلِمةِ مِنْ أكلِه بلا خِلافٍ.

فأمَّا الذمِّيةُ: فإنْ كانَتْ يَهوديةً ترَى تَحريمَ أكلِه ثمَّ أكلَتْه منَعَها منهُ كما يَمنعُ منهُ المُسلِمةَ، وإنْ كانَتْ نَصرانيةً ترَى إباحةَ أكلِه فقدْ اختُلفَ فيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>