للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ رُشدٍ : قالَ أصبَغُ: سَمعْتُ ابنَ القاسِمِ -وسُئلَ عنِ النَّصرانيةِ تحتَ المُسلمِ- أَيُفطرُها في صَومِها الَّذي تَصومُه مع أهلِ دِينِها؟ قالَ: لا أرَى أنْ يُكرهَها على ما عليهِ أهلُ دِينِها وملَّتِها -يعنِي شَرائعَها- ولا على أكلِ ما يَجتنِبونَ في صِيامهِم أو ما يَجتنِبونَ أكْلَه رأسًا، ليسَ ذلكَ لهُ في القَضاءِ، قالَ أصبَغُ: ولا عليهِ مَنعُها إياهُ كرهًا، ولا لهُ، وقد قالَ اللهُ تعالَى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، وقرَأَ: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)[الكافرون: ١] حتَّى بلَغَ: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾.

قالَ مُحمدُ بنُ رُشدٍ: وهذا كما قالَ، وهو ممَّا لا اختِلافَ فيهِ، أنَّه ليسَ لهُ أنْ يَمنعَها ممَّا تَتشرَّعُ بهِ.

واختُلفَ: هل لهُ أنْ يَمنعَها مِنْ شُربِ الخَمرِ وأكلِ الخِنزيرِ والذَّهابِ إلى كَنيستِها؟

فقالَ في «المُدوَّنة»: ليسَ لهُ أنْ يَمنعَها مِنْ ذلكَ.

وقالَ في كِتابِ ابنِ الموَّازِ: لهُ أنْ يَمنعهَا مِنْ أكلِ الخِنزيرِ وشُربِ الخَمرِ؛ لأنَّ ذلكَ ليسَ مِنْ دِينِها، ولهُ أنْ يَمنعَها مِنْ الكَنيسةِ إلَّا في الفَرضِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ المُنذِرِ : واختَلفُوا في مَنعِ الرَّجلِ زوْجتَه النَّصرانيةَ مِنْ الكَنيسةِ، فكانَ مالِكٌ يقولُ: ليسَ للرَّجلِ المُسلِمِ أنْ يَمنعَ زوْجتَه النَّصرانيةَ الذَّهابَ إلى كَنيستِها، ولا أكْلَ الخِنزيرِ.


(١) «البيان والتحصيل» (٢/ ٣٤٩)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>