وعن عائِشَةَ ﵄ أنَّ النَّبيَّ ﷺ:«كانَ يَستَفتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكبيرِ وَالقِراءَةَ بِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [﴿: ٢]». وحَديثِ أبي هُريرةَ:«قَسَمتُ الصَّلاةَ بَينِي وَبينَ عَبدي نِصفَينِ … » الحَديثَ. وهذا يدلُّ على أنَّه لم يَذكُر ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ولم يَجهَر بها (١).
وأمَّا حَديثُ أنَسٍ الصَّحِيحُ فليس فيه نَفيُ قِراءةِ النَّبيِّ ﷺ وأبي بَكرٍ وعمرَ وعُثمانَ:«فلم أسمَع أحَدًا منهم يَقرأُ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾»، أو «فلم يَكونوا يَجهَرون ب ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾»، ورِوايةُ مَنْ رَوى «فلم يَكونوا يَذكُرونَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ في أوَّلِ قِراءةٍ ولا آخرِها»، إنَّما تَدلُّ على نَفيِ الجَهرِ؛ لأنَّ أنَسًا لم يَنفِ إلا ما علِم، وهو لا يَعلَمُ ما كانَ يَقولُه النَّبيُّ ﷺ سِرًّا؛ ولا يُمكِنُ أن يُقالَ: إنَّ النَّبيَّ لم يكن يَسكُتُ، بل كانَ يَصلُ التَّكبيرَ بالقِراءةِ؛ فإنَّه قد ثَبت في الصَّحِيحَينِ أنَّ أبا هُريرةَ قال له:«أرأيتَ سُكوتَكَ بينَ التَّكبيرِ والقِراءةِ، ماذا تَقُولُ؟».
قال ابنُ تيميَّةَ ﵀: ومَن تَأوَّلَ حَديثَ أنَسٍ على نَفيِ قِراءَتِها سِرًّا فهو مُقابِلٌ لقولِ مَنْ قالَ: مُرادُ أنَسٍ أنَّهم كانوا يَفتَتِحونَ بفاتِحةِ الكتابِ قبلَ غيرِها مِنْ السُّوَرِ، وهذا أيضًا ضَعيفٌ؛ فإنَّ هذا مِنْ العِلمِ العامَّ الذي ما زالَ النَّاسُ يَفعلونَه، وقد كانَ الحَجَّاجُ بنُ يُوسفَ وغيرُه مِنْ الأُمَراءِ الَّذينَ صلَّى خلفَهم أنَسٌ يَقرؤُونَ الفاتِحةَ قبلَ السُّورةِ ولم يُنازِع في ذلك أحَدٌ، ولا سُئلَ عن ذلك أحَدٌ، لا أنَسٌ ولا غيرُه، ولا يَحتَاجُ أن يَروِيَ أنَسٌ هذا عن النَّبيِّ
(١) «الإفصاح» (١/ ١٥٩)، و «المغني» (٢/ ٢٧)، و «الاختيار» (١/ ٥٠).