للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكلَّفَ لكُم ثمَّ قالَ له: أَفطِرْ وصُمْ يومًا مكانَه إنْ شِئتَ» (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : وأعدَلُ الأقوالِ أنه إذا حضَرَ الوَليمةَ وهو صائمٌ إنْ كانَ يَنكسرُ قلبُ الداعي بتَركِ الأكلِ فالأكلُ أفضَلُ، وإنْ لم يَنكسرْ قَلبُه فإتمامُ الصَّومِ أفضَلُ، ولا ينبغي لصاحبِ الدَّعوةِ الإلحاحُ في الطَّعامِ للمَدعوِّ إذا امتَنعَ، فإنَّ كِلَا الأمرَينِ جائزٌ، فإذا ألزَمَه بما لا يَلزمُه كانَ مِنْ نوعِ المَسألةِ المَنهيِّ عنها، ولا يَنبغي للمَدعوِّ إذا رَأى أنه يَترتَّبُ على امتِناعِه مَفاسدُ أنْ يَمتنعَ؛ فإنَّ فِطرَه جائزٌ، فإنْ كانَ تركُ الجائزِ مُستلزِمًا لأمورٍ مَحذورةٍ يَنبغي أنْ يَفعلَ ذلكَ الجائزَ، وربُّما يَصيرُ واجِبًا، وإنْ كانَ في إجابةِ الدَّاعي مَصلحةُ الإجابةِ فقطْ وفيها مَفسدةُ الشُّبهةِ فالمنعُ أرجَحُ (٢).

وذهَبَ ابنُ القصَّارِ مِنْ المالِكيةِ والشافِعيةُ في وَجهٍ والحَنابلةُ في روايةٍ اختارَها ابنُ تَيميةَ إلى أنَّ الإجابةَ إلى دَعوةِ الوَليمةِ مُستحَبةٌ وليس بواجبةٍ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في وَجهٍ والحَنابلةُ في قَولٍ إلى أنها فَرضُ كِفايةٍ، فإذا أجابَه بعضُ الناسِ سقَطَ الفَرضُ عن الباقينَ؛ لأنَّ القصدَ أنْ يُعلمَ ذلكَ ويَظهرَ، وذلكَ يَحصلُ بإجابةِ البعضِ، ولأنَّ الإجابةَ إكرامٌ ومُوالاةٌ، فهيَ كرَدِّ السلامِ (٣).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه البيهقي (٨١٤٦)، والطبراني في «الأوسط» (٣٢٤٠)، وقالَ الهَيثميُّ (٤/ ٥٣): فيهِ حمَّادُ بنُ أبي حُميدٍ، وهو ضَعيفٌ، وبَقيةُ رِجالِه ثِقاتٌ.
(٢) «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٥٥٨).
(٣) يُنظَر: «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٢٩٣، ٢٩٤)، و «شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (٤/ ٤٣٦)، و «الاختيار» (٤/ ٢٢٢)، و «البناية شرح الهداية» (١٢/ ٨٤)، و «التمهيد» (٢/ ١٨٩)، و «الاستذكار» (٥/ ٥٢٩، ٥٣١)، و «شرح صحيح البخاري» (٧/ ٢٨٩)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٦٢٧)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٣٠٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٠٠)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٨٥)، و «الحاوي الكبير» (٨/ ٥٥٦، ٥٥٧)، و «البيان» (٩/ ٤٨٢، ٤٨٣)، و «روضة الطالبين» (٥/ ١٩٦، ١٩٧)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٣٧٤)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٠١)، و «شرح صحيح مسلم» (٩/ ٢١٧)، و «المغني» (٧/ ٢١٢)، و «الإنصاف» (٨/ ٣١٨)، و «كشاف القناع» (٥/ ١٨٥، ١٨٦)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٢٨٦، ٢٨٩)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>