للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا هل وَليمةُ العُرسِ واجِبةٌ أم مُستحبَّةٌ؟

فذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ والشافِعيةُ في وَجهٍ -وقيلَ: قَولٍ- إلى أنَّ وَليمةَ العُرسِ واجِبةٌ عَينًا؛ لظاهرِ الأمرِ في خبَرِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ لمَّا قالَ له النبيُّ : «أولِمْ ولو بشاةٍ»، وهذا أمرٌ وهو يَدلُّ على الوُجوبِ، ولأنَّ النبيَّ ما أنكحَ قَطُّ إلا أولَمَ في ضِيقٍ أو سِعةٍ، و «أولَمَ على صَفيةَ في سَفرِه بسَويقٍ وتَمرٍ»، ولأنَّ في الوَليمةَ إعلانٌ للنكاحِ فرقًا بينَه وبينَ السِّفاحِ، وقد قالَ النبيُّ : «أعلِنُوا النكاحَ واضرِبُوا عليهِ بالدُّفِ»، ولأنه لمَّا كانَتْ إجابةُ الداعِي إليها واجبةً دَلَّ على أنَّ فِعلَ الوليمةِ واجبٌ، لأنَّ وُجوبَ المُسبِّبِ دليلٌ على وُجوبِ السببِ (١).

وذهَبَ جَماهيرُ أهلِ العِلمِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المشهورِ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ إلى أنَّ وَليمةَ العُرسِ سُنةٌ مُستحَبةٌ؛ للأحادِيثِ السابقةِ، وإنها طَعامٌ لسُرورٍ حادِثٍ، فأشبَهَ سائرَ الأطعِمةِ، ولأنَّ سبَبَ هذه الوليمةُ عَقدُ النكاحِ، وهو غيرُ واجِبٍ، ففَرعُه أَولى أنْ يكونَ غيرَ واجِبٍ، ولأنها لو وجَبَتْ لتَقدَّرتْ كالزَّكاةِ والكفَّاراتِ، ولَكانَ لها بَدلٌ عندَ الإعسارِ كما يَعدِلُ المُكفِّرُ في إعسارِه إلى الصيامِ، فدَلَّ عَدمُ تَقديرِها وبَدلِها على سُقوطِ وُجوبِها.


(١) «شرح مختصر خليل» (٣/ ٣٠١، ٣٠٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١٩٩)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٨٣، ٨٤)، و «الحاوي الكبير» (٩/ ٥٥٦، ٥٥٧)، و «روضة الطالبين» (٥/ ١٩٦)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٣٧٣)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>