لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [﴿: ٢]، وقد قالَ الشافِعيُّ: مَعناه أنَّهم كانوا لا يَقرؤُونَ شَيئًا قبلَ الفاتِحةِ.
قُلنا: وهذا يَكونُ تَأوِيلًا لا يَليقُ بالشافِعيِّ؛ لِعَظيمِ فِقهِه، وأنَسٌ وابنُ مُغَفَّلٍ إنَّما قالا هذا رَدًّا على مَنْ يَرى قِراءةَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
فإن قيلَ: فقد رَوى جَماعةٌ قِراءَتَها، وقد تَوَلَّى الدَّارقُطنيُّ جَميعَ ذلك في جُزءٍ صحَّحه، قُلنا: لَسنَا نُنكِرُ الرِّوايةَ، لكنَّ مَذَهبنا يَترَجَّحُ بأنَّ أحاديثَنا -وإن كانَت أقَلَّ- أصحُّ، وبوَجهٍ عَظيمٍ وهو المَعقُولُ في مَسائِلَ كَثيرةٍ مِنْ الشَّريعةِ، وذلك أنَّ مَسجدَ رَسولِ اللهِ ﷺ بالمَدينةِ انقَضت عليه العُصورُ، ومرَت عليه الأزمِنَةُ مِنْ لَدُن زَمانِ رَسولِ اللهِ ﷺ إلى زَمانِ مالِكٍ، ولم يَقرأ أحَدٌ قَطُّ فيه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؛ اتِّباعًا لِلسُّنَّةِ.
بَيدَ أنَّ أصحابَنا استَحَبُّوا قِراءَتَها في النَّفلِ، وعليه تُحمَلُ الآثارُ الوارِدةُ في قِراءَتِها (١).
وقالَ القاضي عَبدُ الوهَّابِ ﵀: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ليست مِنْ الفاتِحةِ، ولا مِنْ أوَّلِ كلِّ سُورةٍ، خِلافًا لِلشافِعيِّ؛ لأنَّه لا طَريقَ إلى إثباتِ القُرآنِ إلا بنَقلٍ مُتواتِرٍ يُوجِبُ العِلمَ، ويَقطعُ العُذرَ، أو بإجماعِ الأمَّةِ، ولا يثبُتُ بنَقلِ آحادٍ ولا بقياسٍ ولا ما يؤدِّي إلى غَلَبةِ الظَّنِّ، وليس ههنا إجماعٌ ولا نَقلٌ تَقومُ الحُجَّةُ به؛ فلم يَجُز إثباتُها مِنْ الفاتِحةِ. وإن تَعَلَّقوا بإجماعِ ناقِلِي مُصحَفِ عُثمانَ على أنَّها ثابِتةٌ في أوَّلِ كلِّ سُورةٍ، وأنَّهم قد وافَقونا