للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدِ اختَلفَ في هذهِ المَسألةِ الشَّيخانِ أبو البَرَكاتِ ابنُ تَيميةَ وأبو مُحمدٍ ابنُ قُدامةَ، فقالَ أبو البَرَكاتِ في مُحرَّرِه: ويَجبُ مَهرُ المِثلِ للمَوطوءةِ بشُبهةٍ والمَكرَهةِ على الزِّنى في قُبلٍ أو دُبرٍ، وقالَ أبو مُحمَّدٍ في «المُغنِي»: ولا يَجبُ المَهرُ بالوطءِ في الدُّبرِ ولا اللِّواطِ؛ لأنَّ الشَّرعَ لم يَرِدْ ببَدلِه ولا هو إتلافٌ لشيءٍ، فأشبَهَ القُبلةَ والوَطءَ دُونَ الفَرجِ، وهذا القولُ هوَ الصَّوابُ قَطعًا، فإنَّ هذا الفِعلَ لَم يَجعلْ لهُ الشَّارعُ قيمةً أصلًا، ولا قدَّرَ لهُ مَهرًا بوَجهٍ مِنْ الوُجوهِ، وقياسُه على وَطءِ الفَرجِ مِنْ أفسَدِ القياسِ، ولازِمُ مَنْ قالَهُ إيجابُ المَهرِ لمَن فُعلَتْ بهِ اللُّوطيةُ مِنْ الذُّكورِ، وهذا لم يَقلْ بهِ أحَدٌ ألبَتَة (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : المُكرَهةُ على الزِّنا، هل عَلى مُكرِهِها معَ الحَدِّ صَداقٌ أم لا؟

فقالَ مالِكٌ والشَّافعيُّ واللَّيثُ: عليهِ الصَّداقُ والحَدُّ جَميعًا.

وقالَ أبو حَنيفةَ والثَّوريُّ: عليهِ الحَدُّ ولا صَداقَ عليهِ، وهوَ قولُ ابنِ شُبرمةَ.

وعُمدةُ مالكٍ أنهُ يَجبُ عليهِ حَقَّانِ: حَقُّ اللهِ وحَقٌّ للآدَميِّ، فلَم يُسقِطْ أحدُهُما الآخَرَ، أصلُه السَّرقةُ التي يَجبُ بها عِندهُم غُرمُ المالِ والقَطعُ.

وأمَّا مَنْ لم يُوجِبِ الصَّداقَ فتَعلَّقَ في ذلكَ بمَعنيَينِ:

أحدُهُما: أنهُ إذا اجتَمعَ حَقَّانِ: حَقٌّ للهِ وحَقٌّ للمَخلوقِ، سقَطَ حقُّ


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٧٧٤، ٧٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>