قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ ﵀: وأمَّا النِّكاحُ الفاسِدُ فلا حُكمَ لهُ قبْلَ الدُّخولِ، وأمَّا بعْدَ الدُّخولِ فيَتعلَّقُ بهِ أحكامٌ:
مِنها ثُبوتُ النَّسبِ، ومِنها وُجوبُ العِدَّةِ، وهوَ حُكمُ الدُّخولِ في الحَقيقةِ.
ومِنها وُجوبُ المَهرِ، والأصلُ فيهِ أنَّ النِّكاحَ الفاسِدَ ليسَ بنِكاحٍ حَقيقةً؛ لانعِدامِ مَحلِّهِ -أعني محَلَّ حُكمِه- وهوَ المِلكُ؛ لأنَّ المِلكَ يَثبتُ في المَنافعِ، ومَنافعُ البُضعِ مُلحَقةٌ بالأجزاءِ، والحُرُّ بجَميعِ أجزائِهِ ليسَ مَحَلًّا للمِلكِ؛ لأنَّ الحُرِّيةَ خُلوصٌ، والمِلكُ يُنافي الخُلوصَ، ولأنَّ المِلكَ في الآدَميِّ لا يَثبتُ إلَّا بالرِّقِّ، والحُرِّيةُ تُنافي الرِّقَّ، إلَّا أنَّ الشَّرعَ أسقَطَ اعتِبارَ المُنافي في النِّكاحِ الصَّحيحِ؛ لحاجَةِ النَّاسِ إلى ذلكَ، وفي النِّكاحِ الفاسِدِ بعْدَ الدُّخولِ؛ لحاجَةِ النَّاكِحِ إلى دَرءِ الحَدِّ وصِيانةِ مائِهِ عنِ الضَّياعِ بثَباتِ النَّسبِ ووُجوب العدَّةِ، وصيانةُ البُضعِ المُحتَرَمِ عنِ الاستِعمالِ مِنْ غَيرِ غَرامةٍ ولا عُقوبةٍ تُوجِبُ المَهرَ، فجُعلَ مُنعقِدًا في حَقِّ المَنافعِ المُستَوفاةِ لهذهِ الضَّرورةِ، ولا ضَرورةَ قبْلَ استِيفاءِ المَنافعِ وهو ما قبْلَ الدُّخولِ، فلا يُجعَلُ مُنعقِدًا قبْلَه.
ثمَّ الدَّليلُ على وُجوبِ مَهرِ المِثلِ بعْدَ الدُّخولِ ما رُويَ عَنْ رَسولِ اللهِ ﷺ أنهُ قالَ: «أيُّما امرَأةٍ أَنكَحَتْ نفْسَها بغَيرِ إذنِ مَواليها فنِكاحُها باطِلٌ، فإنْ دخَلَ بها فلَها مَهرُ مِثلِها» (١)، جعَلَ ﷺ لها مَهرَ المِثلِ فيما لهُ حُكمُ النِّكاحِ الفاسِدِ وعَلَّقَه بالدُّخولِ، فدَلَّ أنَّ وُجوبَه مُتعلِّقٌ بهِ، ثمَّ اختُلفَ في تَقديرِ هذا المَهرِ وهوَ المُسمَّى بالعُقْرِ:
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّمَ بلَفظٍ قَريبٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute