للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ قدامةَ : إذا فسدَ الصداقُ لجهالتِه أو عَدَمِه أو العجزِ عن تسليمِه فإنَّ النكاحَ ثابتٌ لا نعلمُ فيه خلافًا (١).

إلا أنهم اختَلفوا فيما لو فسَدَ المهرُ بأنْ كانَ حرامًا كأنْ كانَ خَمرًا أو خِنزيرًا أو ما لا يَصحُّ أنْ يكونَ مَهرًا، هل يَفسدُ العقدُ بذلك لفسادِ المهرِ؟ أم يَصحُّ العقدُ ويَفسدُ المسمَّى ويكونُ لها صَداقُ المثلِ؟

وسببُ اختلافهم: هل حكمُ النكاحِ في ذلكَ حُكمُ البيعِ أم ليس كذلكَ؟ فمَن قالَ: «حكمُه حكمُ البيعِ» قالَ: يَفسدُ النكاحُ بفسادِ الصداقِ كما يفسدُ البيعُ بفسادِ الثمَنِ، ومَن قالَ: «ليس مِنْ شرطِ صِحةِ عقدِ النكاحِ صحةُ الصداقِ، بدَليل أنَّ ذِكرَ الصداقِ ليسَ شرطاً في صحة العقدِ» قالَ: يَمضي النكاحُ ويُصحَّحُ بصداقِ المثلِ (٢).

فذهبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والحَنابلةُ في روايةٍ إلى أنَّ النكاحَ يَفسدُ إذا كانَ الصداقُ ممَّا لا يَجوزُ تملُّكُه كالخمرِ والخنزيرِ والحُرِّ؛ لأنَّ شرْطَ الصداقِ أنْ يكونَ متموَّلًا يَصحُّ تملُّكُه شَرعًا؛ لقولِه تعالَى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، فأخبَرَ أنَّ مِنْ شَرطِ الإباحةِ أنْ يَبتغيَها بالمالِ، وهذا ابتغاءٌ بغيرِ مالٍ، ولأنه عقدُ مُعاوَضةٍ، فوجَبَ متى حصَلَ العوضُ فيه خمرًا أو خنزيرًا أنْ لا يَصحَّ العقدُ كسائرِ عقودِ المعاوَضاتِ، ولأنَّ العوضَ في


(١) «المغني» (٧/ ١٧٠).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>