للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما بعَثَ للمهرِ يَستردُ عينَه قائمًا فقط وإنْ تغيَّرَ بالاستعمالِ؛ لأنه مُسلَّطٌ عليه مِنْ قِبَلِ المالكِ، فلا يلزمُ في مُقابلةِ ما انتَقصَ باستعمالِه شيءٌ، أو قيمتَه هالِكًا -أي قِيمتُه وهو هالكٌ-؛ لأنه مُعاوضةٌ ولم تَتمَّ، فجازَ الاستِردادُ.

وكذا كلُّ ما بعَثَ هديةً وهو قائمٌ دونَ الهالِكِ والمُستهلكِ؛ لأنَّ فيهِ معنى الهبةِ، والهلاكُ والاستهلاكُ مانعٌ مِنْ الرجوعِ بها، وكذا يُشترطُ عدمُ ما يَمنعُ مِنْ الرجوعِ، كما لو كانَ ثوبًا فصَبَغتْه أو خالَطَتْه (١).

ومَن بعَثَ إلى امرأتِه شيئًا فقالَتْ: «هوَ هديةٌ» وقالَ: «هو مِنَ المهرِ» فالقولُ له معَ يمينِه في غيرِ المُهيَّأِ للأكلِ؛ لأنه المُمَلِّكُ فكانَ أَعرَفَ بجهةِ التمليكِ، كما إذا قالَ: «أودَعتُكِ هذا الشيءَ» فقالَت: «بل وهبْتَه لي»، وكذا الظاهرُ يَشهدُ له؛ لأنه يَسعى في إسقاطِ ما في ذمَّتِه، إلا في الطعامِ المهيَّأِ للأكلِ كالشِّواءِ واللحمِ المطبوخِ والفواكهِ التي لا تَبقى فإنَّ القولَ قولُها فيهِ استِحسانًا؛ لجريانِ العادةِ بإهدائِها، فكانَ الظاهرُ شاهِدًا لها، بخلافِ ما إذا لم يكنْ مُهيَّأً للأكلِ كالعسلِ والسَّمنِ والجوزِ واللوزِ.

وقيلَ: ما يَجبُ عليه مِنْ الخِمارِ والدَّرعِ ونحوِ ذلكَ ليسَ له أنْ يحبسَه مِنْ المهرِ؛ لأنَّ الظاهرَ يُكذبُه، بخلافِ ما لا يجبُ عليه كالخُفِّ والملاءَةِ؛ لأنه لا يَجبُ عليه أنْ يُمكِّنَها مِنْ الخروجِ، بل له أنْ يمنَعَها.


(١) «البحر الرائق» (٣/ ١٩٩، ٢٠٠)، و «درر الحكام» (٤/ ١٤٥)، و «مجمع الأنهر» (١/ ٥٣٢)، و «الدر المختار» (٣/ ١٥٣)، و «الهندية» (١/ ٣٢٨)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (١/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>