والمَعنى في جوازِ الزيادةِ والحطِّ في المهرِ بعدَ العقدِ أنهما غيَّرَا العقدَ بتَراضيهما مِنْ وَصفٍ إلى وصفٍ مَشروعٍ له، فيَصحُّ ذلكَ ويُجعلُ ذلك كالمذكورِ في أصلِ العقدِ، كما لو كانَ البيعُ لخِيارٍ لهُما فأُسقِطَ الخِيارُ أو بغيرِ الخيارِ فشرَطَا الخيارَ لهُما أو لأحدِهما، ولأنَّ العقدَ قائمٌ بينَهما يَملكانِ التصرفَ فيه رَفعًا وإبقاءً، فيَملكانِ التصرفَ فيه بالتغييرِ مِنْ وَصفٍ إلى وصفٍ؛ لأنَّ التصرفَ في صفةِ الشيءِ أهوَنُ مِنْ التصرفِ في أصلِه، فإذا كانَا باتفاقِهما يَملكانِ التصرفَ في أصلِ العقدِ ففي صفتِه أَولى.
وأمَّا إذا طلَّقَها قبلَ الدخولِ بطَلَتِ الزيادةُ كلُّها في ظاهرِ الروايةِ؛ لأنَّ الزيادةَ لمَّا لم تكن موجودةً في العقدِ وإنما كانت مُلحَقةً به وجَبَ أن يكونَ بقاؤُها مَوقوفًا على سَلامةِ العقدِ أو الدخولِ بالمرأة، ألَا تَرى أنَّ الزيادةَ في البيعِ إنما تَلحقُ به على شَرطِ بقاءِ العقدِ، وأنه متى بطَلَ العقدُ بطَلَتِ الزيادةُ، فكذلكَ الزيادةُ في المهرِ.
وفي روايةٍ عن أبي يوسفَ أنه إنْ طلقَها قبلَ الدخولِ تَتنصَّفُ الزِّيادةُ معَ الأصلِ؛ لقولِه ﷿: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، والزيادةُ مَفروضةٌ فيَجبُ تَنصيفُها في الطلاقِ قبلَ الدخولِ، ولأنَّ الزيادةَ تَلتَحقُ بأصلِ العقدِ كالزيادةِ في الثمنِ في بابِ البيعِ، ويُجعلُ كأنَّ العقدَ ورَدَ على الأصلِ والزيادةِ جميعًا، فيَتنصَّفُ بالطلاقِ قبلَ الدُّخولِ كالأصلِ (١).
(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ١٠٦، ١٠٨)، و «محتصر اختلاف العلماء» (٢/ ٢٦٦، ٢٦٧)، و «المبسوط» (١٣/ ٨٤، ٨٥)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٩٠، ٢٩٨)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١٤١، ١٤٢)، و «الاختيار» (٣/ ١٢٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٢٠)، و «اللباب» (٢/ ٣٨).