ومِن الدَّليلِ على أنَّ زناها لا يُوجِبُ الفرقةَ أنَّ اللهَ تعالى حَكَمَ في القاذفِ لزَوجتِه باللِّعانِ ثمَّ بالتفريقِ بينَهما، فلو كانَ وُجودُ الزنا منها يُوجِبُ الفرقةَ لَوجَبَ إيقاعُ الفرقةِ بقَذفِه إياها؛ لاعترافِه بما يُوجبُ الفرقةَ، أَلَا ترَى أنه لو أقَرَّ أنها أختُه مِنْ الرضاعةِ أو أنَّ أباهُ قد كانَ وَطئَها لَوقعَتِ الفُرقةُ بهذا القولِ.
فإنْ قيلَ: لمَّا حكَمَ اللهُ تعالَى بإيقاعِ الفرقةِ بعدَ اللعانِ دَلَّ ذلك على أنَّ الزنا يُوجبُ التحريمَ، لولا ذلك لَمَا وجَبَتِ الفرقةُ باللعانِ.
قيلَ له: لو كانَ كما ذكَرْتَ لَوجبَتِ الفرقةُ بنفسِ القذفِ دونَ اللِّعان، فلمَّا لم تَقعْ بالقذف دَلَّ على فسادِ ما ذكَرْتَ.
فإنْ قيلَ: إنما وقَعَتِ الفرقةُ باللعانِ؛ لأنه صارُ بمَنزلةِ الشهادةِ عليها بالزنا، فلمَّا حُكِمَ عليها بذلكَ حُكمَ بوقوعِ الفرقةِ لأجْلِ الزنا.
قيلَ له: وهذا غلطٌ أيضًا؛ لأنَّ شهادةَ الزوجِ وحْدَه عليها بالزنا لا تُوجبُ كونَها زانيةً، كما أنَّ شهادتَها عليه بالإكذابِ لا تُوجبُ عليه الحُكمَ بالكذب في قَذفِه إياها؛ إذ ليسَتْ إحدى الشهادتَينِ بأَولى مِنْ الأُخرى، ولو كان الزوجُ مَحكومًا له بقَبولِ شهادتِه عليها بالزنا لَوجَبَ أنْ تُحَدَّ حَدَّ الزنا، فلمَّا لم تُحَدَّ بذلكَ دَلَّ على أنه غيرُ مَحكومٍ عليها بالزنا بقولِ الزوجِ، واللهُ أعلَمُ بالصوابِ (١).