وإحدَى الروايتَينِ عنِ ابنِ مَسعودٍ أنهما لا يَزالانِ زانِيَينِ ما اجتَمعَا، وعن عليٍّ إذا زنَى الرَّجلُ فُرِّقَ بينَه وبينَ امرأتِه، وكذلكَ هيَ إذا زنَت.
قالَ أبو بكرٍ: فمَن حظَرَ نكاحَ الزانيةِ تأوَّلَ فيه هذهِ الآيةَ، وفُقهاءُ الأمصارِ مُتفِقونَ على جوازِ النكاحِ، وأنَّ الزِّنا لا يُوجِبُ تَحريمَها على الزوجِ ولا يُوجبُ الفرقةَ بينَهما، ولا يخلُو قولُه تعالَى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ [النور: ٣] مِنْ أحدِ وجهَين:
إمَّا أنْ يكونَ خبَرًا، وذلكَ حقيقتُه، أو نهيًا وتَحريمًا، ثمَّ لا يخلُو مِنْ أنْ يكونَ المرادُ بذِكرِ النكاحِ هنا الوطءُ أو العقدُ، ومُمتنعٌ أنْ يُحمَلَ على معنَى الخبَرِ وإنْ كانَ ذلكَ حَقيقةَ اللفظِ؛ لأنَّا وجَدْنا زانيًا يَتزوجُ غيرَ زانيةٍ وزانيةً تَتزوجُ غيرَ الزاني، فعَلِمْنا أنه لم يَرِدْ مَورِدَ الخبَرِ، فثبَتَ أنه أرادَ الحكمَ والنهيَ، فإذا كانَ كذلكَ فليسَ يَخلو مِنْ أنْ يكونَ المُرادُ الوطءَ والعقدَ، وحقيقةُ النكاحِ هو الوطءُ في اللغة؛ لِمَا قد بيَّناه في مَواضعَ، فوجَبَ أنْ يكونَ مَحمولًا عليه، على ما رُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ ومَن تابَعَه في أنَّ المُرادَ الجِماعُ، ولا يُصرَفُ إلى العقدِ إلا بدَلالةٍ؛ لأنه مَجازٌ، ولأنه إذا ثبَتَ أنه قد أُريدَ به الحقيقةُ انتَفى دخولُ المَجازِ فيه، وأيضًا فلو كانَ المرادُ العقدَ لم يكنْ زِنَا المرأةِ أو الرجلِ مُوجِبًا للفُرقةِ إذ كانا جَميعًا موصوفَين بأنهما زانيَانِ؛ لأنَّ الآيةَ قدِ اقتَضَتْ إباحةَ نكاحِ الزاني للزانيةِ، فكانَ يجبُ أنْ يجوزَ للمرأةِ أنْ تَتزوجَ الذي زنَى بها قبلَ أنْ يتوبَا، وأنْ لا يكونَ زِناهما في حالِ الزوجيةِ يُوجبُ الفرقةَ، ولا نعلمُ أحدًا يقولُ ذلكَ، وكانَ يجبُ أنْ يجوزَ للزاني أنْ