للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضَرَ: اجعَلوها في تَنُّورِ صالِحٍ؛ فإنَّهم قد خَبَزوا، فقالَ بيَدِه: لا، وأَبى أنْ يُوجَّهَ بها إلى مَنزلِ صالِحٍ، ومِثلُ هذا كَثيرٌ.

وأَجرى عليه المُتوكلُ، وعلى وَلدِه، وأهلِه أربَعةَ آلافِ دِرهمٍ، في كلِّ شَهرٍ، فبعَثَ إليه أَبو عبدِ اللهِ أنَّهم عن كِفايةٍ، فبعَثَ إليه المُتوكلُ: إنَّما هذا لوَلدِك، ما لك ولهذا، فقالَ أَحمدُ: يا عَمِّ، ما بَقيَ من أَعمارِنا؟ كأنَّك بالأمرِ وقد نزَلَ بنا، فاللهَ اللهَ، فإنَّ أَولادَنا إنَّما يُريدونَ يَتأكَّلون بنا، وإنَّما هي أيامٌ قَلائلُ، ولو كُشفَ للعَبدِ عما قد حُجبَ عنه، لعرَفَ ما هو عليه من خَيرٍ، أو شَرٍّ، صبْرٌ قَليلٌ، وثَوابٌ طَويلٌ، إنَّما هذه فِتنةٌ (١).

وقالَ صالِحٌ: كانَ أَبي إذا دَعا له رَجلٌ قالَ: ليسَ يُحرِزُ الرَّجلُ المُؤمنُ إلا حُفرتَه، الأَعمالُ بخَواتيمِها، قالَ أَبي في مَرضِه: أَخرِجْ كِتابَ عبدِ اللهِ بنِ إِدريسَ فقالَ: اقرَأْ علَيَّ حَديثَ لَيثٍ: إنَّ طاوُوسًا كانَ يَكرهُ الأَنينَ في المَرضِ، فما سمِعتُ لأَبي أَنينًا حتى ماتَ.

وعن أَحمدَ بنِ مُحمدٍ التُّستَريِّ قالَ: ذَكَروا أنَّ أَحمدَ بنَ حَنبلٍ أتى عليه ثَلاثةُ أيامٍ ما طعِمَ فيها، فبعَثَ إلى صَديقٍ له، فاقتَرَض منه دَقيقًا، فجَهَّزوه بسُرعةٍ، فقالَ: كيف ذا؟ قالوا: تَنُّورُ صالِحٍ مُسجَرٌ، فخَبَزنا فيه، فقالَ: ارفَعوا، وأمَرَ بسَدِّ بابٍ بينَه وبينَ صالِحٍ، قالَ الذَّهبيُّ: لكَونِه أخَذَ جائِزةَ المُتوكلِ (٢).


(١) باختِصارٍ من «المنهج الأحمد» (١/ ١٢، ١٣).
(٢) «سير أعلام النبلاء» (١١/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>