للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسببُ اختلافِهم مُعارَضةُ عمومِ قولِه تعالَى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣] لعُمومِ الاستثناءِ في آخرِ الآيةِ وهوَ قولُه تعالَى: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، وذلكَ أنَّ هذا الاستثناءَ يَحتملُ أنْ يَعودَ لأقربِ مَذكورٍ، ويَحتملُ أنْ يَعودَ لجميعِ ما تضمَّنَتْه الآيةُ مِنَ التحريمِ إلا ما وَقَعَ الإجماعُ على أنه لا تَأثيرَ له فيه، فيَخرجُ مِنْ عُمومِ قولِه تعالَى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ مِلكُ اليمينِ، ويحَتملُ أنْ لا يَعودَ إلَّا إلى أقربِ مَذكورٍ، فيَبقَى قولُه: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ على عُمومِه، ولا سيَّما إنْ علَّلْنا ذلكَ بعِلةِ الأخوَّةِ أو بسَببٍ مَوجودٍ فيهما.

واختَلفَ الذين قالوا بالمنعِ في مِلكِ اليمينِ إذا كانَت إحداهما بنِكاحٍ والأخرى بمِلكِ يمينٍ، فمنَعَه مالكٌ وأبو حَنيفةَ، وأجازَه الشافعيُّ (١).

وقدْ أجمَعَ المُسلمونَ على حُرمةِ الجَمعِ بينَ الأختَينِ مِنَ الرضاعةِ أيضًا، أو أنْ يَجمعَ بينَ أختٍ وأختِها مِنَ الرضاعةِ؛ لقولِ اللهِ ﷿: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣].

قالَ ابنُ عبدِ البرِّ : قد دخَلَ فيهِ بإجماعِ المسلمينَ الأختانِ مِنَ الرضاعةِ؛ لمَا بيَّنَه رسولُ اللهِ في الرضاعةِ أنها تُحرِّمُ ما يُحرِّمُ النسبُ، فلو تزوَّجَ رجلٌ صبيَّتَين رَضيعتَينِ فجاءَتِ امرأةٌ فأرضعَتْهما صارتَا أختَين بالرَّضاعِ وحرمَتَا عليهِ واستَأنفَ نكاحَ أيَّتِهما شاءَ (٢).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٣١).
(٢) «التمهيد» (١٧/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>