وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ ومُحمدُ بنُ الحسَنِ إلى أنه لا تتأبَّدُ الحُرمةُ بسَببِ اللعانِ، وإنما الفُرقةُ في اللعانِ فرقةٌ بتَطليقةٍ بائنةٍ، فيَزولُ مِلكُ النكاحِ وتَثبتُ حرمةُ الاجتهادِ والتزوُّجِ ما دامَا على حالةِ اللعانِ، فإنْ أَكذَبَ الزوجُ نفسَهُ فجُلِدَ الحدَّ أو أكذَبَتِ المرأةُ نفسَها بأنْ صدَّقتْهُ وصارتِ المَرأةُ بحالٍ لا يَجبُ بينَها وبينَ زوجِها إذا قذَفَها لِعانٌ، فله أنْ يتزوَّجَها.
لأنَّ رسولَ اللهِ ﷺ لمَّا لاعَنَ بينَ عُويمرٍ العَجلانِيِّ وبينَ امرأتِهِ فقالَ عُويمرٌ:«كَذبتُ عليها يا رسولَ اللهِ إنْ أَمسكْتُها فهيَ طالقٌ ثَلاثًا»، وفي بعضِ الرِّواياتِ:«كَذبتُ عليها إنْ لم أُفارِقْها فهيَ طالقٌ ثَلاثًا»، فصارَ طلاقُ الزوجِ عَقيبَ اللعانِ سنَّةَ المتلاعنَينِ؛ لأنَّ عُويمرًا طلَّقَ زوْجتَه ثَلاثًا بعدَ اللعانِ عندَ رسولِ اللهِ ﷺ، فأنفذَها عليه رسولُ اللهِ ﷺ، فيَجبُ على كلِّ مُلاعِنٍ أنْ يطلِّقَ، فإذا امتَنعَ يَنوبُ القاضي مَنابَهُ في التفريقِ، فيكونُ طلاقًا كما في العنِّينِ، ولأنَّ سببَ هذهِ الفرقةِ قَذفُ الزوجِ؛ لأنَّه يُوجِبُ اللعانَ، واللعانُ يُوجِبُ التفريقَ، والتفريقُ يُوجبُ الفرقةَ، فكانتِ الفرقةُ بهذهِ الوسائطِ مُضافةً إلى القذفِ السابقِ، وكلُّ فرقةٍ تكونُ مِنَ الزوجِ أو يكونُ فعلُ الزوجِ سبَبَها تكونُ طلاقًا، كما في العنِّين والخلعِ والإيلاءِ ونحوِ ذلك.
وكذلكَ كلُّ فرقةٍ متعلِّقةٍ بحكمِ الحاكمِ فإنها لا تُوجبُ تحريمًا مؤبَّدًا، والدليلُ على ذلكَ أنَّ سائرَ الفُرَقِ التي تتعلَّقُ بحكمِ الحاكمِ لا يُوجبُ