للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ اللهَ تعالى قد غلَّظَ أمْرَ الزنا بإيجابِ الرجمِ تارةً وبإيجابِ الجَلدِ أُخرى، وأَوْعَدَ عليه بالنارِ، ومنَعَ إلحاقَ النسَبِ به، وذلكَ كلُّه تَغليطًا لحُكمِه، فوجَبَ أنْ يكونَ بإيجابِ التحريمِ أَولَى إذْ كانَ إيجابُ التحريمِ ضربًا مِنَ التغليظِ، ألَا ترَى أنَّ اللهَ تعالَى لمَّا حكَمَ ببُطلانِ حَجِّ مَنْ جامَعَ امرأتَهُ قبلَ الوقوفِ بعرفَةَ كانَ الزاني أَوْلَى ببُطلانِ الحجِّ؛ لأنَّ بطلانَ الحجِّ تَغليظٌ لتَحريمِ الجِماعِ فيهِ، كذلكَ لمَّا حكَمَ اللهُ بإيجابِ تحريمِ الأمِّ والبنتِ بالوطءِ الحلالِ وجَبَ أنْ يكونَ الزنا أَوْلَى بإيجابِ التحريمِ تَغليظًا لحُكمِه (١).

إلَّا أنَّ هذا التحريمَ عندَ الحَنفيةِ لا يحصلُ بالزِّنا فقطْ، بل بمُقدِّماتِه، فلو مَسَّ امرأةً بشهوةٍ حرمَتْ عليه أمُّها وبنتُها، وكذا إذا مَسَّتْه هيَ بشهوةٍ.

ولا فرْقَ في ثُبوتِ الحُرمةِ بالمسِّ بينَ كونِه عامِدًا أو ناسِيًا أو مُكرَهًا أو مُخطئًا، حتَّى لو أيقَظَ زوْجتَه ليُجامِعَها فوصَلَتْ يدُه إلى بنتِها فقَرَصَها


(١) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٥١، ٥٥)، و «المبسوط» (٤/ ٢٠٤، ٢٠٥)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٦٠، ٢٦١)، و «الهداية» (١/ ١٩٢)، و «العناية» (٤/ ٣٥٠)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١٠٦)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٠٥)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٧٦، ٢٧٧)، و «اللباب» (٢/ ٢٢)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٢١٠)، و «الاستذكار» (٥/ ٤٦٣، ٤٦٤)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٢٣، ٣٢٥) رقم (١١٦١)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٦)، و «شرح الزرقاني» (٣/ ١٨٣، ١٨٤)، و «البيان والتحصيل» (١٨/ ٤٨٩)، و «المغني» (٧/ ٩٠)، و «كشاف القناع» (٥/ ٧٨)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٧٤)، و «فتح الباري» (٩/ ١٥٦، ١٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>