للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ المنذرِ : وقد أجمَعَ علماءُ الأمصارِ على خِلافِ هذا القولِ، ولأنَّ التربيةَ لا تأثيرَ لها في التحريمِ كسائرِ المحرَّماتِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : فأمَّا الآيةُ فلم تَخرجْ مخرَجَ الشرطِ، وإنما وصَفَها بذلك تعريفًا لها بغالبِ حالِها، وما خرَجَ مَخرجَ الغالبِ لا يَصحُّ التمسكُ بمَفهومِه، وإنْ لم يَدخلْ بالمرأةِ لم تَحرمْ عليه بناتُها في قول عامةِ عُلماءِ الأمصارِ إذا بانَتْ مِنْ نكاحِه، إلا أنْ يَموتَ قبلَ الدخولِ ففيهِ روايتَانِ:

إحداهُما: تَحرمُ ابنتُها، وبهِ قالَ زيد بنُ ثابتٍ، وهيَ اختيارُ أبي بكرٍ؛ لأنَّ الموتَ أُقيمَ مَقامَ الدخولِ في تكميلِ العدَّةِ والصداقِ، فيَقومُ مقامَه في تحريمِ الربيبةِ.

والثانيةُ: لا تَحرمُ، وهوَ قولُ عليٍّ ومذهبُ عامةِ العلماءِ.

قالَ ابنُ المُنذرِ (١): وأجمَعَ عوامُّ علماءِ الأمصارِ أنَّ الرجلَ إذا تَزوَّجَ المرأةَ ثم طلَّقَها أو ماتَتْ قبلَ الدخولِ بها جازَ له أنْ يتزوَّجَ ابنتَها، كذلكَ قالَ مالكٌ والثوريُّ والأوزاعيُّ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ ومَن تَبِعَهم؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، وهذا نصٌّ لا يُتركُ لقِياسٍ ضعيفٍ وحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ وقدْ ذكَرْناه، ولأنها فُرقةٌ قبلَ


(١) «الإجماع» (٣٦٣)، و «تفسير القرطبي» (٥/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>