وقالَ أبو عمرَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀ في حديثِ عائشةَ: فهذا أوضَحُ شيءٍ في هذا البابِ وأشَدُّ بَيانًا ورَفعًا للإشكالِ، أَلَا ترَى لقَولِ عائِشةَ: إنَّما أرضَعَتْني المرأةُ ولم يُرضِعْني الرَّجلُ فيَكونَ أبي ويَكونَ أخوه عَمِّي، فأجابَها رسولُ اللهِ ﷺ: أنَّ المرأةَ لمَّا أرضعَتْكِ صارَتْ أمَّكِ وصارَ زوجُها الذي كانَ سبَبَ لبنِها أباكِ فصارَ أخوه عمَّكِ، ففَهمَتْ عائِشةُ هذا ولم تَكنْ تعرفُهُ قَبْل فقالَتْ: «إنَّ الرضاعةَ تُحرِّمُ ما تُحرِّمُ الولادةُ»، لو كانَ ذلكَ كالعمِّ قد رضَعَ مع أبيها أبي بَكرٍ امرأةً واحدةً لمَا احتِيجَ إلى شيءٍ مِنْ هذا الخِطابِ (١).
ولقولِه تعالَى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣]، فإذا كانَتِ الأمُّ مِنَ الرَّضاعِ محرَّمةً كانَ كذلكَ زوجُها، وصارَ أبًا لمَن أرضَعَتْه زوجتُهُ؛ لأنَّ اللَّبنَ منهما جَميعًا، وإذا كانَ زوجُ التي أرضَعَتْ أبًا كانَ أخوه عمًّا وكانَتْ أختُ المرأةِ خالةً، يَحرمُ مِنْ الرَّضاعِ العمَّاتُ والخالاتُ والأعمامُ والأخوالُ والأخواتُ وبناتُهنَّ كما يَحرمُ مِنْ النسب، هذا معنَى قولِهِ ﵇: «الرَّضاعةُ تحرِّمُ ما تحرِّمُ الولادةُ».
قالَ ابنُ المنذرِ ﵀: إذا أرضَعَتِ امرأةُ الرَّجلِ جاريةً حَرُمَتْ على ابنِه وعلى أبيه وعلى جَدِّه وعلى بَني بَنيه وبَني بناتِه، وعلى كلِّ ولدٍ ذكَرٍ
(١) «الاستذكار» (٦/ ٢٤٢، ٢٤٣)، و «التمهيد» (٨/ ٢٤٢)، و (٢٢/ ١٥٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute