للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذَهب الشافِعيَّةُ والحَنابلَةُ في المَذهبِ إلى أنَّ التشهُّدَ الأخيرَ فَرضٌ مِنْ فُروضِ الصَّلاةِ، لا تَصحُّ الصَّلاةُ إلا به؛ لحَديثِ ابنِ مَسعودٍ قالَ: كُنَّا نَقُولُ قبلَ أن يُفرَضَ التشهُّدُ: السَّلامُ على اللهِ، السَّلامُ على جِبريلَ، السَّلامُ على مِيكائيلَ، فقالَ النَّبيُّ : «لَا تَقُولوا: السَّلامُ على اللهِ؛ فإنَّ اللهَ هو السَّلامُ، وَلَكِن قُولوا: التَّحِيَّاتُ للهِ … » الحَديثَ (١).

قالوا: وهذا أمرٌ، والأمرُ يَقتَضي الوُجوبَ، ويدلُّ على أنَّه فَرضٌ بعدَ أن لم يكن مَفروضًا، وحَديثُ الأعرابيِّ يَحتَمِلُ أنَّه كانَ قبلَ أن يُفرَضَ التشهُّدُ، ويَحتَمِلُ أنَّه تركَ تَعليمَه لأنَّه لم يَرَه أساءَ في تَركِه، ويَحتَمِلُ أنَّه لم يَذكُره له لأنَّه كان مَعلومًا عندَه، ولهذا لم يَذكُر له النِّيةَ، وقد أجمَعنا على وُجوبِها، ولم يَذكُرِ القُعودَ لِلتشهُّدِ، وقد وافَقَ أبو حَنيفَةَ على وُجوبِه، ولم يَذكُرِ السَّلامَ، وقد وَافَقَ مالِكٌ والجُمهورُ على وُجوبِه.

وأقَلُّ التشهُّدِ عندَ الشافِعيَّةِ: «التَّحيَّاتُ للهِ، سَلامٌ عَلَيكَ أيُّها النَّبيُّ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، سَلامٌ عَلَينا وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه»، كذا قالَ الرَّافِعِيُّ، وقالَ النَّوويُّ: لا يُشترَطُ لَفظُ: «أشهَدُ». بل يَكفي: «وأنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه».

وهو أقَلُّه عندَ الحَنابلَةِ أيضًا بدُونِ لَفظِ: «وبَرَكاتُه». مع التَّخَيُّرِ بينَ: «وأنَّ مُحمدًا رَسولُ اللهِ». وَ «وَأنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه»؛ لِاتِّفاقِ الرِّواياتِ على ذلك (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه النسائي (١٢٧٧)، والدَّارقطني (١/ ٣٥٠)، وهو في البخاريِّ (٧٩٧) بدون لفظ: «قَبلَ أن يُفرَضَ علينا».
(٢) «المجموع» (٣/ ٤٢٥، ٤٢٦)، و «كفاية الأخيار» (١٥٣)، و «مغني المحتاج» (١/ ١٧٢)، و «المغني» (٢/ ٩٣)، و «الإنصاف» (٢/ ١١٣)، و «الإفصاح» (١/ ١٧٣)، و «كشَّاف القناع» (١/ ١٨٨)، و «مطالب أولي النُّهى» (١/ ٤٩٩)، و «منار السبيل» (١/ ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>