للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَليلُنا على مَنْ أوجَبَهما أنَّ رَسولَ اللهِ قامَ مِنْ اثنَتَينِ فمَضى ثم سَجَد لِلسَّهوِ، وسُجودُ السَّهوِ لا يَنوبُ عن مَفروضٍ، ولأنَّ كلَّ ذِكرٍ صحَّتِ الصَّلاةُ بتَركِه سَهوًا صحَّت بتَركِه عَمدًا، أصلُه التَّسبيحُ، عَكسُه التَّحريمُ والسَّلامُ (١).

وذَهب الحَنفيَّةُ إلى أنَّ التشهُّدَ الأخيرَ واجِبٌ، وليس بفَرضٍ؛ لأنَّ النَّبيَّ لم يُعلِّمه لِلأعرابِيِّ، فدلَّ على أنَّه غيرُ فَرضٍ، ولقولِ النَّبيِّ : «إذا قَعد الإمامُ في آخرِ صَلاتِه ثم أحدَثَ قبلَ أن يَتشهَّدَ، فقد تَمَّت صَلاتُه» (٢).

قالَ الكاسانيُّ : ولَنَا قولُ النَّبيِّ لِلأعرابِيِّ: «إذا رَفَعتَ رَأسَكَ مِنْ آخرِ سَجدةٍ، وقَعَدتَ قَدرَ التشهُّدِ، فقد تَمَّت صَلاتُكَ»، أثبَتَ تَمامَ الصَّلاةِ عندَ مُجرَّدِ القَعدةِ، ولو كانَ التشهُّدُ فَرضًا لَمَا ثَبت التَّمامُ بدُونِه، دلَّ على أنَّه ليس بفَرضٍ، لكنَّه واجِبٌ بمُواظَبةِ النَّبيِّ ، ومُواظَبتُه دَليلُ الوُجوبِ، فيما قامَ دَليلُ عدمِ فَرضِيَّتِه، وقد قامَ هَهُنَا، وهو ما ذكَرنا، فكانَ واجِبًا، لا فَرضًا، واللهُ أعلَمُ (٣).


(١) «الإشراف» (١/ ٢٨٤، ٢٨٥) رقم (٢٠١)، ويُنظر: «تفسير القرطبي» (١/ ١٧٣)، و «حاشية الدُّسوقي» (١/ ٢٤٣)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٨٤)، و «القوانين الفقهية» (١/ ٤٧)، و «الشرح الصغير» (١/ ٢١٣).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٦١٧)، والتِّرمذي (٤٠٨)، والدَّارقطني (١/ ٣٧٩)، والبيهقي في «الكبرى» (٢/ ١٣٩)، وقد ضَعَّفه الدَّارقطني والبيهقي والألباني.
(٣) «البدائع» (١/ ١٦٣)، ويُنظر: «معاني الآثار» (١/ ٥١١)، و «الاختيار» (١/ ٥٩)، والطَّحطاوي (١/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>