للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ مالِكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وجُمهورُ العُلماءِ مِنْ الصَّحابةِ فمَن بعدَهُم: لا يَصحُّ نكاحُ المُحرمِ، واعتَمدُوا أحادِيثَ البابِ.

وقالَ أبو حَنيفةَ والكُوفيُّونَ: يَصحُّ نِكاحُه؛ لحَديثِ قِصةِ مَيمونةَ.

وأجابَ الجُمهورُ عن حَديثِ مَيمونةَ بأجوبةٍ:

أصَحُّها: أنَّ النبيَّ إنَّما تزوَّجَها حَلالًا، هكذا رَواهُ أكثَرُ الصَّحابةِ، قالَ القاضي وغيرُه: ولمْ يَرْوِ أنه تزوَّجَها مُحرِمًا إلَّا ابنُ عبَّاسٍ وحْدَه، ورَوَتْ مَيمونةُ وأبو رافِعٍ وغيرُهما أنه تزوَّجَها حَلالًا، وهمْ أعرَفُ بالقَضيةِ؛ لِتَعلُّقِهم به، بخِلافِ ابنِ عبَّاسٍ، ولأنهم أضبَطُ مِنْ ابنِ عبَّاسٍ وأكثَرُ.

الجوابُ الثَّاني: تَأويلُ حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ على أنَّه تزوَّجَها في الحرَمِ وهو حَلالٌ، ويقالُ لمَن هو في الحَرمِ: «مُحرِمٌ» وإنْ كانَ حَلالًا، وهي لغةٌ شائِعةٌ مَعروفةٌ، ومنهُ البيتُ المَشهورُ:

قتَلُوا ابنَ عفَّانَ الخَليفةَ مُحرِمًا … .......................................

أي: في حَرَمِ المَدينةِ.

والثالثُ: أنه تَعارَضَ القولُ والفعلُ، والصَّحيحُ حِينئذٍ عندَ الأصوليِّينَ تَرجيحُ القولِ؛ لأنه يَتعدَّى إلى الغيرِ، والفعلُ قد يكونُ مَقصورًا عليه.

والرابعُ: جَوابُ جَماعةٍ مِنْ أصحابِنا أنَّ النبيَّ كانَ له أنْ يتزوَّجَ في حالِ الإحرامِ، وهو ممَّا خُصَّ به دُونَ الأمَّةِ، وهذا أصَحُّ الوجهَينِ عندَ أصحابنا، والوجهُ الثَّاني: أنه حَرامٌ في حَقِّه كغيرِه، وليسَ مِنْ الخَصائصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>