واختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن تزوَّجَ امرأةً أيامًا مَعلومةً، فقالَ أبو حَنيفةَ وأبو يوسفَ ومُحمدٌ ومالكُ بنُ أنسٍ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ والشافعيُّ: إذا تزوَّجَ امرأةً عشرةَ أيامٍ فهوَ باطلٌ ولا نِكاحَ بينَهُما، وقالَ زفرُ: النكاحُ جائزٌ والشَّرطُ باطلٌ، وقالَ الأوزاعيُّ: إذا تزوَّجَ امرأةً ومِن نيَّتِه أنْ يُطلِّقَها وليسَ ثَمَّ شرطٌ فلا خَيْرَ في هذا هذا متعةٌ.
قالَ أبو بكرٍ: لا خِلافَ بينَهم وبينَ زُفرَ أنَّ عقْدَ النكاحِ لا يَصحُّ بلفظِ المُتعةِ، وأنه لو قالَ: «أَتمتَّعُ بكِ عَشرةَ أيامٍ» أنَّ ذلكَ ليسَ بنِكاحٍ، وإنَّما الخلافُ إذا عقَدَه بلَفظِ النكاحِ فقالَ: «أتزوَّجُكِ عَشرةَ أيامٍ»، فجعَلَه زُفرُ نِكاحًا صَحيحًا وأبطَلَ الشرطَ فيهِ؛ لأنَّ النكاحَ لا تُفسدُه الشروطُ الفاسِدةُ، كما لو قالَ: «أتزوَّجُكِ على أنْ أطلِّقَكِ بعدَ عَشرةِ أيامٍ» كانَ النكاحُ جائزًا والشرطُ باطلًا، وإنَّما الخِلافُ بينَهم وبيْنَ زُفرَ في أنَّ هذا نِكاحٌ أو مُتعةٌ، فقالَ الجمهورُ: هذا متعةٌ وليسَ بنكاحٍ … (١).
وقالَ الإمامُ الطحَاويُّ ﵀: والحجَّةُ على زُفرَ حديثُ الرَّبيعِ بنِ سَبرةَ عن أبيهِ أنَّ الرَّسولَ ﷺ لمَّا نهَى عنِ المتعةِ قالَ لهم: «مَنْ كانَ عندَهُ مِنْ هذهِ النِّساءِ شيءٌ فلْيُفارِقْهنَّ، فإنَّ اللهَ قد حَرَّمَ المُتعةَ إلى يومِ القيامةِ»، فدَلَّ هذا على أنَّ العقدَ المُتقدِّمَ لا يُوجِبُ دوامَ العَقدِ للأبدِ، ولو أوجَبَ دوامَه لَكانَ بفسخِ الشرطِ الذي تعاقَدَا عليهِ، ولا يُفسخُ النكاحُ إذا كانَ ثبَتَ على صحتهِ وجوازِهِ قبلَ النهيِ، ففي أمرِهِ إياهُم بالمُفارَقةِ دَليلٌ
(١) «أحكام القرآن» (٣/ ١٠٢، ١٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute