للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أبو حَنيفةَ: نكاحُ الشِّغارِ يَصحُّ بفرْضِ صَداقِ المثلِ …

وسَببُ اختِلافِهم: هلِ النَّهيُ المُعلَّقُ بذلكَ مُعلَّلٌ بعَدمِ العوضِ أو غَيرُ مُعلَّلٍ؟ فإنْ قُلنا: «غَيرُ مُعلَّلٍ» لَزمَ الفَسخُ على الإطلاقِ، وإنْ قُلنا: «العلَّةُ عَدمُ الصَّداقِ» صحَّ بفَرْضِ صَداقِ المِثلِ، مِثلَ العقدِ على خَمرٍ أو على خِنزيرٍ، وقد أجمَعُوا على أنَّ النِّكاحَ المُنعقِدَ على الخَمرِ والخِنزيرِ لا يُفسَخُ إذا فاتَ بالدُّخولِ ويكونُ فيهِ مَهرُ المِثلِ، وكأنَّ مالِكًا رأى أنَّ الصَّداقَ وإنْ لم يكنْ مِنْ شَرطِ صحَّةِ العَقدِ ففسادُ العَقدِ هَهُنا مِنْ قِبَلِ فسادِ الصَّداقِ مَخصوصٌ؛ لتَعلُّقِ النَّهيِ بهِ، أو رأى أنَّ النَّهيَ إنَّما يَتعلقُ بنَفسِ تَعيينِ العَقدِ، والنَّهيُ يدلُّ على فسادِ المَنهيِّ (١).

وإذا قالَ: «زوَّجْتُكَ ابنَتِي على أنْ تُزوِّجَنِي ابنتَكَ» واقتَصرَ على هذا فالنِّكاحُ صَحيحٌ عِنْدَ الحنفيَّةِ والشَّافعيةِ في المَشهورِ والحَنابلةِ في قَولٍ؛ لأنهُ لم يَحصلْ بهِ التَّشريكُ، وإنَّما حَصلَ الفسادُ في الصَّداقِ، وهوَ أنهُ جَعلَ مَهرَ ابنتِهِ أنْ يُزوِّجَه الآخرُ ابنتَهُ، ففَسدَ المُسمَّى ووَجبَ مَهرُ المِثلِ.

وذهَبَ المالكيَّةُ والحَنابلةُ في المَذهَبِ والشافعيةُ في قَولٍ إلى أنهُ لا يَصحُّ؛ لأنَّهما لم يُسمِّيَا صَداقًا صَحيحًا، ولكنْ جَعَلَ كلُّ واحدٍ مِنهُما عقْدَ نِكاحِ كلِّ واحِدةٍ مِنهُما صَداقًا للأُخرى؛ لأنهُ أَخرجَ ذلكَ مَخرجَ الصَّداقِ (٢).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٤٣).
(٢) «التجريد الضروري» (٩/ ٤٥٧٠)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٦٧)، و «الذخيرة» (٤/ ٣٨٥)، و «شرح الزرقاني» (٣/ ١٨٦)، و «شرح ميارة» (١/ ٢٧٧)، و «البيان» (٩/ ٢٧٣)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٥٤، ٥٥)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٣٩، ٢٤١)، و «الديباج» (٣/ ١٨٦، ١٨٧)، و «المغني» (٧/ ١٣٥، ١٣٦)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٣٩٦، ٣٩٧)، و «المبدع» (٧/ ٨٣، ٨٤)، و «الإنصاف» (٨/ ١٦٠، ١٦١)، و «كشاف القناع» (٥/ ١٠١)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٨٨، ٥٨٩)، و «الإفصاح» (٢/ ١٤٧، ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>